تجربتي في الصوم عن الكلام قد كنت متمسكة بها في البداية بنسبة لا يمكن لشخص أن يجعلني أتراجع في قراري بشأنها، ولكن بالبحث والتدبر بالأدلة القرآنية والمشروعية في السنة النبوية قد مررت بمراحل مختلفة فيها، وفيما يلي عبر موقع سوبر بابا أتناول معكم إن كنت استفدت منها أم لا.

شدة تمسكي بالصوم عن الكلام

لعل السبب في أن تسيطر فكرة الصوم عن الكلام على عقلي هي قراءتي لقصة سيدنا زكريا ـ عليه السلام ـ، فقد كنت في تلك الفترة التي نويت فيها الصوم عن الكلام وتجربة الأمر في حالة نفسية مذرية، وأحاول أن أتقرب من الله تعالى بشتى الطرق التي من الممكن أن تساعدني في إيجاد الحلول وأن أخرج من حولي وقوتي الذي لا يفيدني في مشكلتي.

دعوني أحدثكم عن قصة سيدنا زكريا ـ عليه السلام ـ مع الصوم عن الكلام من وجهة نظري أولًا، لكي تتمكنوا من فهم السبب في زيادة رغبتي وتمسكي في أن أبدأ تجربتي في الصوم عن الكلام.

قد قال تعالى في كتابه الكريم:

(قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) [سورة مريم: الآية 10]

تلك الآية جميعنا يعلم قصتها ولكن لا أحد يُدرك أو يكون مُلمًا بقصتها التي نزلت من أجلها.

الفكرة هنا أن تفكيري في تلك الآية دون تدبر قد كان سبب التمسك الشديد من وجهة نظري لأن أقوم بما فعله نبي الله زكريا ـ عليه السلام ـ، فقد كنت أعتقد أن صوم النبي عن الكلام.

هو السكوت التام عن أي شيء سواء كان عبادة باللسان، نصح للناس، إرشاد أو توجيه ومخاطبة في شئون الحياة له هو ما جعله يصل إلى ما يريد ويحقق الله له مراده وهو الإنجاب بعد سنوات طويلة وكانت امرأته لا تنجب.

معرفتي بالمعنى الحقيقي لقصة سيدنا زكريا

إلا أن أكثر الأمور التي أحبها هي رغبتي في الفهم أكثر من المصادر الموثوقة خاصةً في الأمور والعبادات الدينية هو ما جعل تجربتي في الصوم عن الكلام لا تطول، ففي اليوم الأول من أخذ القرار للصوم لكي أنعم بما أريد من سلام وتخلص من ظُلمة قلبي وابتعاده عن الله تعالى بعدما كان قريبًا صدمني بحثي عن تلك العبادة في قراءة التدبر والمعنى الصحيح لها.

حيث علمت أن الآية نزلت كعلامة لسيدنا زكريا ـ عليه السلام ـ لمعجزته وأنها ستحدث لا عبارة عن عبادة كان قد قرر أن يقوم بها، فقد سأل نبي الله ـ عليه السلام ـ سبحانه وتعالى عن العلامة التي توضح له أن دعوته سوف يتم قبولها ولكي يزداد فرحة وسرورًا.

إلى أن أخبره الله تعالى أن الآية هي ألا يتكلم مع إنسي ثلاث ليال متتالية، أي أن الآية لتلك المعجزة هي أن يجد نبي الله نفسه عاجز بشكل لا إرادي عن الكلام مع الناس لمدة في تلك الليالي، وهو سليم الحواس في ذات الوقت لا أخرس أو أبكم، ولكنه كان ممنوعًا من الكلام بأمر وقدرة الله تعالى.

الصوم عن الكلام عبادة غير جائزة

هنا قد بدأ الشك يراود قلبي وقد داهمني الحزن لأنها كانت القشة التي تعلق بها قلبي البعيد عن الله تعالى بتلك الفترة بلا سبب ويعاني من الفتور في العبادة دون أي معنى، ولكن في كل الأحوال لن أفعل ما حرمه الله تعالى أو حتى لا يوجد له دليل في السنة النبوية أو القرآن الكريم ـ ذلك ما كنت أحدث به نفسي ـ.

فإن حديث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ المنقول على لسان أبي الدرداء:

فَسُرِّيَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثم قال والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لو كان موسَى بينَ أظهرِكم ثم اتبعتموهُ وتركتموني لضللتمْ ضلالًا بعيدًا أنتم حَظِّي من الأممِ وأنا حَظُّكُمْ من النبيينَ” [صحيح الألباني].

هو كان سبيلي إلى معرفة حديث آخر عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوضح رأي الشريعة الإسلامية والسنة النبوية في الصوم عن الكلام، فعلمت أنها من العبادات الغير جائزة والغير مشروعة للمسلم نظرًا لما فيها من أمور تعارض التعاليم الإسلامية سأتناولها فيما بعد.دائمًا ما يأتي في ذهني عندما أسمع عن أي عبادة غير جائزة أو أرى الشك في الشيء إن كان حلالًا أم حرامًا، ويجعلني أبحث وأبحث عن الحقيقة.

بيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ، إذَا هو برَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عنْه فَقالوا: أبو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ ولَا يَقْعُدَ، ولَا يَسْتَظِلَّ، ولَا يَتَكَلَّمَ، ويَصُومَ. فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَسْتَظِلَّ ولْيَقْعُدْ، ولْيُتِمَّ صَوْمَهُ” [صحيح البخاري].

أي أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما رأى من عبد أنه نذر ألا يتكلم أو يؤدي أي من الأمور المطلوبة منه بشكل يومي بغرض التقرب من الله تعالى، طلب أن يتكلم ويتوقف عن الصوم ويستظل كما يشاء فإن دين الإسلام دين يسر لا عسر، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها.

منه استخلصت أن عبادة الصوم عن الكلام التي قد كنت متمسكة بها غير جائزة طالما كانت اقتداءً بقصة سيدنا زكريا ـ عليه السلام ـ أو رغبة في تقليده.

معرفتي عن رأي الفقهاء في الصوم عن الكلام

في الحقيقة ما إن قرأت حديث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد اقتنع قلبي وعقلي بأن تلك العبادة غير جائزة، فهي بالفعل مؤرقة وتكلف الإنسان فوق طاقته التي من الممكن تحملها، حيث إن الأمر يتطلب منك عناء مقاطعة أشخاص ترغب في الاطمئنان عليهم أو التعايش في يومك.. في الغالب كنت سوف أتقوقع في منزلي لتجنب الكلام مع أي شخص أما عن عائلتي فهم سيكونون مدركين لما أقوم به.

ذلك ما جعلني أستمر في القراءة عن تلك العبادة في رأي الفقهاء، ولا يوجد اختلاف أنها من العبادات الغير جائزة أو مشروعة في الإسلام، فأوضحوا أنها حتى من عادات الجاهلية أنهم يدينون لله تعالى بالصمت في الليل.

أي حينما يقوم المرء من نومه في الليل يصمت لحين شروق الشمس، وذلك ما حرمه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قوله:

لا يُتمَ بعد احتلامٍ، ولا صُماتَ يومٍ إلى اللَّيلِ” [حسن النووي].

اقرأ أيضًا: تجربتي مع آية الكرسي 1000 مرة

ما سبب عدم مشروعية الصوم عن الكلام

إن اللسان هو أكثر ما يجعل العباد يرتكبون الكثير من الذنوب بالحديث عن هذا وذاك، وبالكلام في الأمور الغير مشروعة، أو حتى الأذى النفسي لشخص آخر فلما قد يتم منعها أو تكون غير مشروعة ـ تلك الوساوس قد جالت في خاطري بغرض الفهم لا التذمر، وهي ما قد تدور في عقل كل شخص يعلم أن الصوم عن الكلام غير جائز، ولكنها في تجربتي في الصوم عن الكلام قد كانت مفيدة لفهمي بشكل أكبر ـ.

أوضح الفقهاء أن الصوم عن الكلام من العبادات الغير جائزة ولا يحبها الله سبحانه وتعالى نظرًا لأنها تنهى العبد عن ذكر الله حتى، كما أنه يترك بعض العبادات الأخرى التي تقرب من الله تعالى فليس كل ما يزيد الحسنات هو الصلاة والصوم.

فمثلًا تنهى عن قراءة القرآن بالشكل الذي يرضى عنه الله تعالى ويزيد من الثواب، كما تحصر العبد في زاوية لا يتمكن منها من نصح الناس أو الإرشاد للمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك أن يتشارك مع من حوله ويؤدي حقوقهم عليه.

ذلك ما أوضح لي بشكل كبير لما قد كانت تجربتي في الصوم عن الكلام لتكون غير مشروعة أو جائزة، وحمدًا لله أنني بحثت وتعلمت قبل أن أُكمل في ذلك الطريق، ولكنني لم أكن لأرتكب إثم في حالة ذلك لجهلي بالأمر وحكمه في الشرع.

اقرأ أيضًا: تجربتي مع قراءة سورة البقرة

عبادات تحقق الدعاء

بعد الرجوع عن قرار البدء في تجربتي في الصوم عن الكلام، قد ازداد انفتاح عقلي وقلبي، وأدركت أن الأمر لا يحتاج لأن أصوم عن الكلام وأنعزل عن العالم لأجل إزالة الضبابية من على قلبي، ولكن الأمر يتطلب فقط العودة والعزم على الرجوع.

فإن الله تعالى يبدأ بالحساب بالنوايا وكانت نيتي طيبة وتريد العودة إلى طريق الهدى والرشاد بالفعل، والجدير بالذكر هنا أن الله تعالى يقبل أصغر العبادات وبأبسط الطرق الممكنة بإمكانك أن تصل إلى ما تريد في النهاية بالمواظبة، فخير الأعمال أدومها وإن قلت.

تجربتي في الصوم عن الكلام جعلتني أُدرك أنه لا بد من التدبر في قصص الأنبياء والآيات القرآنية أولًا، ومن ثم البحث عن الأدلة التي تُشّرع العبادات في السنة النبوية والقرآن لعدم ارتكاب الإثم.