حكم السبحة عند المذاهب الأربعة يحمل العديد من الآراء الخاصة بعلماء تلك المذاهب، حيث إن السبحة تعد من الوسائل المساعدة على ذكر الله تعالى ولكنها يكثر عليها الجدل والخلافات، ولكن في النهاية يظل ذكر الله تعالى وتسبيحه له ثوابه الذي لا يَنقص مهما كان التسبيح على الأنامل أو السبحة، لذا سنتعرف اليوم على حكم السبحة في رأي كل مذهب من خلال موقع سوبر بابا.

حكم السبحة عند المذاهب الأربعة

إن السبحة عبارة عن مجموعة من الخرزات المتصلة التي يقوم من خلالها المسبح بعدها لذكر الله تعالى وتسبيحه، ونالت هذه السبحة بعض الآراء المختلفة بين أهل العلم والفقهاء، حيث اتفقت المذاهب الأربعة على جواز استخدام السبحة، ويوجد ممن يرون أن استخدام الأنامل أولى من استخدام السبحة إلا إن كان استخدام الأنامل بإمكانه أن يسبب خلل للمسبح في العد، فحينها يكون استخدام السبحة أولى وأدق.

الجدير بالذكر وجود الآراء التي تتفق حول حكم السبحة عند المذاهب الأربعة ولكنها تحمل بعض التفاصيل المختلفة الخاصة بآراء الفقهاء في كل مذهب، لذا سنتعرف على ما جاء في كل مذهب بالتفصيل من خلال الآتي:

1- موقف المذهب الحنفي من حكم السبحة

أقر فقهاء المذهب الحنفي على جواز استخدام السبحة في الذكر والتسبيح، وفي إطار التعرف على حكم السبحة عند المذاهب الأربعة سوف نتعرف على المؤيدين للسبحة من الفقهاء وبعض الكتب في المذهب الحنفي من خلال ما يلي:

  • ابن نجيم: وضح ابن نجيم في كتابه البحر الرائق جواز استخدام السبحة للتمكن من إحصاء عدد الأذكار.
  • حاشية ابن عابدين: حيث علق على كتاب البحر الرائق على فضل استخدام السبحة، كما علق على شرح الحصكفي1/650 حيث قال لا بأس باتخاذ السبحة كوسيلة للتسبيح.
  • موسوعة الفقه الكويتية: حيث أشار الشيخ محمد شمس الحق شارح السنن بجواز استخدام السبحة.
  • مرقاة المفاتيح 5/221: حيث ذكر بعدم وجود اختلاف بين السبحة إذا كانت نوى أو خرز متصل فكلاهما يؤدي غرض التسبيح.
  • ابن حجر: قال إن الروايات المنقولة عن التسبيح بالحصى والنوى عديدة عن الصحابة وأمهات المؤمنين، وأن التسبيح بالأنامل أولى ولكنه لا يمنع استخدام السبحة.
  • عون المعبود 4/ 257-258: أوضح هذا الكتاب أن جواز السبحة صحيح ولا فرق إذا كانت منثورة أو متصلة.
  • تحفة الأحوذي 9 /322: من خلال هذا الكتاب تم توضيح إيجاز استخدام الأنامل والسبحة في التسبيح.

اقرأ أيضًا: حكم التدخين في المذاهب الأربعة

2- حكم السبحة في المذهب المالكي

في ظل التعرف على حكم السبحة عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على رأي المالكية، حيث يضم المذهب المالكي عدد من العلماء والكتب الفقهية التي تؤكد جواز استخدام السبحة، حيث يمكننا التعرف على تلك الآراء من خلال ما يلي:

  • كتاب منح الجليل 1/228: نص على ما يلي “ويجوز ستر السقف والحائط به [ أي الحرير ] بشرط أن لا يستند إليه رجل والخياطة به وراية الجهاد وعلم الثوب وسلك السبحة“.
  • شرح الخرشي على خليل 3/233: ورد في هذا الكتاب النص على جواز السبحة في قول ” وبعضهم قاس السجاف على خط العلم فلذلك جزم الشيخ أحمد النفراوي بحرمة ما زاد على أربعة أصابع ونظر بعض الأشياخ في خيط السبحة ورأيت تقريرا بجوازه.
  • شرح الدردير على خليل 2/315: نص هذا الكتاب على استخدام السبحة وعدم وجود حرج في ذلك من خلال الفقرة ” فإنه يجوز كتعليقه ستورا من غير استناد وكذا البشخانة المعلقة بلا مس وخط العلم والخياطة به، ويلحق بذلك قيطان الجوخ والسبحة وتجوز الراية في الحرب“.

3- موقف المذهب الشافعي من السبحة

في إطار التعرف على حكم السبحة عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على تأييد العلماء في المذهب الشافعي للسبحة من خلال ما يلي:

  • كتاب فتاوى ابن الصالح: حيث أجاز استخدام السبحة أيًا كان خيطها حرير أو غير ذلك.
  • الإمام السيوطي: حيث وجه رسالة في استخدام السبحة ضمن الحاوي لفتاويه ومما جاء فيها 2/3.
  • ابن علان: من خلال شرح ابن علان على أذكار النووي 1/251 – 252وضح اتخاذ أهل العبادة وغيرهم السبحة.
  • كتاب فيض القدير: ينص هذا الكتاب على أن التسبيح بالأنامل هو الأولى والأفضل، ولكن في حالة وجود السهو فتكون السبحة هي الخيار الأفضل.

4- حكم السبحة في المذهب الحنبلي

يضم المذهب الحنبلي العديد من الآراء المؤيدة السبحة والمختلفة قليلًا، والتي تتضح من خلال ما يلي:

  • شرح ابن علان: حيث ورد الشرح الخاص بابن علان في أذكار النووي 251/1 إن السبحة من الأمور المستحبة، حيث كانت تسبح عليها نساء المؤمنين.
  • مجموع فتاوى ابن تيمية 22/506: حيث أوضح أن التسبيح بالأنامل سنة، وأن التسبيح بالنوى والحصى من الأمور الحسنة.
  • كتاب الوابل الصيب: ورد في هذا الكتاب صفحة رقم 222 ما ينص على أن التسبيح بالأنامل أحب من السبحة.

المواقف التي تؤيد استخدام السبحة

توجد مواقف مهمة وفاصلة تؤكد جواز استخدام السبحة بكافة أشكالها سواء حصى أو نوى أو خرز متصل، وفي إطار التعرف إلى حكم السبحة عند المذاهب الأربعة، فسوف نتعرف على المواقف المختلفة التي تؤكد هذا الأمر من خلال ما يلي:

1- حديث السيدة صفية رضى الله عنها

روي عن السيدة صفية رضى الله عنها حيث يوضح رد فعل الرسول عند دخوله عليها وهي تسبح، حيث قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْنَ يدَيَّ أربعةُ آلافِ نواةٍ أُسبِّحُ بهِنَّ، فقالَ: يا بنتَ حُيَيٍّ، ما هذا؟ قلتُ: أُسبِّحُ بهِنَّ، قالَ: قد سَبَّحتُ منذُ قُمتُ على رأسِكِ أكثرَ مِن هذا. قلتُ: علِّمْني يا رسولَ اللهِ، قالَ: قولي سُبحانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ مِن شيءٍ”.

[الراوي: صفية | المحدث: الحاكم | المصدر: المستدرك على الصحيحين].

2- حديث سعد بن أبي وقاص

يروي سعد ابن أبي وقاص عندما دخَل مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على امرأةٍ وكان في يدِها حصًى أو نوًى تُسبِّحُ به فقال: “ألَا أُخبِرُكِ بما هو أيسَرُ عليكِ مِن هذا وأفضَلُ؟ سُبحانَ اللهِ عدَدَ ما خلَق في السَّماءِ وسُبحانَ اللهِ عدَدَ ما خلَق في الأرضِ وسُبحانَ اللهِ عدَدَ ما هو خالقٌ واللهُ أكبَرُ مِثْلَ ذلكَ والحمدُ للهِ مِثْلَ ذلكَ ولا إلهَ إلَّا اللهُ مِثْلَ ذلكَ ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ مِثْلَ ذلكَ “.

[الراوي: سعد بن أبي وقاص، المصدر: صحيح ابن حبان، المحدث: ابن حبان | خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه].

اقرأ أيضًا: رأي الأئمة الأربعة في فوائد البنوك

الخصال المكروهة في السبحة

يوجد الأقلاء من الناس الذين يعتادون مسك السبحة لأغراض أخرى غير التسبيح وذكر الله، حيث يُعد ذلك من الذنوب الكبيرة التي تؤول بهم إلى غضب الله تعالى عليهم، حيث تتمثل تلك الخصال المكروهة فيما يلي:

1- اتخاذ السبحة بغرض الزينة واللعب بها

هناك بعض الأشخاص يتغافلون عن دور السبحة الأصلي في ذكر الله وتسبيحه، ويأخذون من تلك السبحة كمظهر للزينة بتعليقها في أعناقهم أو الحرص على اقتناء السبحة الغالية والثمينة من الذهب والفضة والحجار الكريمة للتباهي بها واللعب فقط، وهذا يُعد إثم كبير.

والجدير بالذكر وجود أقوال الفقهاء التي تؤكد هذا الأمر مثل قول المناوي في فيض القدير4/355: (نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر بالجمعية والحضور ومشاركة القلب للسان في الذكر والمبالغة في إخفاء ذلك أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة يغلب على حباتها الزينة وغلو الثمن ويمسكها من غير حضور في ذلك ولا فكر ويتحدث ويسمع الأخبار ويحاكيها وهو يحرك حباتها بيده مع اشتغال قلبه ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح).

2- أن يغفل الإنسان عد السيئات مثل عد الحسنات

من أبرز الخصال المكروهة عند حمل السبحة أن يركز الإنسان على عد الحسنات التي يفعلها فقط ويتجاهل السيئات التي يقوم بارتكابها على مدار اليوم، حيث لا يُحسن استخدام السبحة عندما تتجاوز سيئاته مقدار حسناته.

3- ترك الذكر بالأنامل والأصابع

حيث إن الاعتياد على التسبيح على السبحة يُفقد الإنسان فضل ثواب التسبيح على الأنامل وأطراف الأصابع، ويؤكد هذا الفضل قول يسيرة بنت ياسر رضى الله عنها وأرضاها وهي واحدة من المهاجرات في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قالت: قال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((يا نساءَ المؤمناتِ، عليكُنَّ بالتَّهليلِ والتَّسبيحِ والتَّقديسِ، ولا تغفُلْنَ فتنسَيْنَ الرَّحمةَ، واعقِدْنَ بالأناملِ؛ فإنَّهنَّ مسؤولاتٌ مُستَنْطَقاتٌ“.

[الراوي: يسيرة بنت ياسر، المصدر: الحديث لابن عبد الوهاب، المحدث: محمد ابن عبد الوهاب خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن].

اقرأ أيضًا: حكم المنتحر عند الأئمة الأربعة

فضل الذكر والتسبيح

إن التسبيح بالأنامل له فضل كبير وخاصة باليد اليمنى مثلما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث إن اليد اليمنى أولى بالتسبيح بها عن اليد اليسرى حيث يأكل الإنسان بيمينه ويأكل مما يليه كما أمرنا رسول الله.

وعلاوة على هذا فإن التسبيح بواسطة السبحة لا يُعد من البدع، بل هو أحد الوسائل لضبط العدد الخاص بالذكر وعدم التغافل عن العدد، ويتمثل فضل الذكر والتسبيح على المسلم في عدة أمور تتضح فيما يلي:

  • ذكر الله وتسبيحه يقي الإنسان من وسوسة الشيطان ويباعد بينه وبين الذنوب والمعاصي.
  • من أهم الوسائل التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى.
  • المسلم المداوم على ذكر الله يتمتع براحة وسلام داخلي في القلب.
  • يسبب انشراح لقلب المؤمن ويزيل منه الهم والغم.
  • من خلال التسبيح يتمكن المسلم من زيادة حسناته ومحو ذنوبه وخطاياه.

وليتمكن المسلم من الفوز بكل هذه الفضائل العظيمة عليه اتباع آداب الذكر والتسبيح أيًا كانت وسيلة التسبيح سواء على الأنامل أو السبحة، والتي تتمثل فيما يلي:

  • إخلاص نية الذكر والتسبيح لله تعالى.
  • مجاهدة النفس والإكثار من الذكر في كافة الأوقات.
  • الحرص على طهارة البدن.
  • الخشوع إلى الله تعالى واستشعار عظمته وهيبته.
  • يُفضل الذكر بالتوجه إلى القبلة ودعاء الله تعالى بأسمائه وصفاته العُلى.

حكم السبحة عند المذاهب الأربعة يضم العديد من الآراء المتشابهة، وفي النهاية يكون التسبيح والذكر بأي وسيلة سواء كانت بواسطة السبحة أو الأنامل يلزمها قلب طهور وخالص لوجه الله تعالى.