حكم المنتحر عند الأئمة الأربعة يُنهي الجدل في تلك القضية التي ما إن ظهر مثال عليها توالت بعده الفتاوى من أهل الدين وغيرهم، حيث أوضح أئمة كل مذهب الحكم لمن انتحر، وطريقة التعامل مع الوضع في تلك الحالة، وهو ما سنناقشه فيما يلي لننهي الجدل حوله من خلال موقع سوبر بابا.

حكم الانتحار في الشرع

انتشرت حالات الانتحار في الآونة الأخيرة بالعالم أجمع وليس العالم العربي فقط، منها ما انتقلت أخباره من مكان لآخر، ومنها من لم نسمع عنه شيئًا، الجدير بالذكر أنه في حالة انتشار خبر تلك الوقعة يحدث حالة من الجدل حول حكم الشرع في الانتحار، وهل سيدخل المنتحر الجنة أم لا.

ناهينا أن هناك عدد من الناس يتناولون جملة أنه لا يجب أن نحكم على الخلق، ويدعون لفكرة ترك الفرد وشأنه ولا تلزم التوعية أو التنويه على حكم الشرع في تلك القضية.

قال تعالى:

: (.. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًَا) [سورة النساء الآية 29].

الجدير بالذكر أن الأئمة الأربعة لم يختلفوا بخصوص حكم المنتحر فأوضحوا أن الانتحار من الكبائر التي نهى الله تعالى عنها ورسوله الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو أمر حرام شرعًا ولا يجوز للمسلمين الاستهانة به.

اقرأ أيضًا: حكم المرتد في المذاهب الأربعة

المنتحر كافر أم لا

من ضمن الأمور التي يختلف عليها الناس فور سماع خبر انتحار شخص ما عربيّ أو غير عربيّ إن كان كافر أم يموت على إسلامه، تلك الخلافات التي يخرج فيها البعض عما هو ضمن مبادئ الدين الإسلامي.

فأوضح الفقهاء بالمذاهب الأربعة أثناء الحديث عن حكم الانتحار أن الانتحار حرام شرعًا والميت عليه إثم كبير، ولكنه لا يعد كافرًا ولا يجب أن يتم إطلاق مثل تلك الكلمة على مسلم.

هل يجوز الصلاة على المنتحر

من ضمن الأمور التي أوضحها فقهاء دار الإفتاء أنه من الواجب الصلاة على الميت حتى وإن كان منتحرًا، كما أوضحوا أنه يجوز ويجب الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يتم إخراج الصدقات على روحه، ما عدا عمر بن عبد العزيز والأوزاعي أعلنا أن الصلاة على المنتحر مكروهة.

ما استدلّ به كل من المالكية والحنفية والشافعية هو حديث نقل عن أشرف الخلق مضمونه أن يتم الصلاة على كل من قال لا إله إلا الله.

بينما رأي الحنابلة مخالف بعض الشيء وهو جواز الصلاة على الميت منتحرًا من قبل المسلمين، ولكن لا يجب على الإمام أن يصلي عليه.

المرض النفسي والانتحار

عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ:

رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يكبَرَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقِلَ ويُفِيقَ.” [صحيح ابن العربي].

إن المرض النفسي والمعاناة من أي المشكلات النفسية شأنها شأن المجنون، وهو ما لا يحاسبه الله تعالى على أفعاله، وذلك كما ورد عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ولكن الأمر يعود إلى أهله أن تركوه إلى مرحلة اليأس دون علاج أو تقويم للسلوكيات، لذا يجب الدعاء له بالرحمة والمغفرة.

الانتحار بالسلب والإيجاب

هناك معانٍ مختلفة للانتحار يخفى على المرء معرفتها، وذلك ما قد يجعل هناك جدل أكثر بين الناس، حيث أشارت دار الإفتاء أن الانتحار يتم بطريقتين الأولى هي المعروفة بالإيجاب والدارجة بين الناس كالقتل بآلة حادة، السم أو إلقاء النفس من على مرتفع وغيرها من الغرق والنار، فكلها تعني وسائل انتحار.

أما الانتحار بالسلب فهو إزهاق نفس الإنسان بالترك، كأن يتوقف المرء عن تناول الشراب والطعام، أو أن يترك الجروح دون علاج، عدم محاولة الحركة في الماء أو النار للنجاة بالنفس، وأي من طرق ترك سبيل النجاة فهو انتحار بالسلب يأثم عليه صاحبه.

الانتحار نتيجة التعذيب يغفر

من ضمن الأمور الدارجة بين الناس أثناء انتشار قضايا الانتحار هي أن المنتحر معه حق في إزهاق روحه نتيجة التعرض لأي من المشكلات الصعبة كالاغتصاب، التعذيب أو المهانة ممن حوله.

ردّ الفقهاء هنا بأنه لا يجوز للمرء أن يزهق روحه نتيجة الابتلاءات أيًا كان نوعها، وأن الانتحار نتيجة وجود سبب صعب لا يغفر ذلك ويعد آثمًا كذلك، وهو ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة في حكم الانتحار لديهم.

فقد أمر الله تعالى بالصبر على البلاء، والاستمرار في المحاولة بالتوكل على الله واحتساب أجر البلاء لديه، لا بالاستسلام وإزهاق روح نفخها فينا، ومقاومة الظلم لها أجر كبير عنده سبحانه وتعالى.

غسل المنتحر

من ضمن الجوانب الهامة التي يجب الإلمام بها بخصوص حكم المنتحر لدى الأئمة الأربعة هو حكم غسل وتكفين المنتحر، فلا شك الآن أن الانتحار من كبائر الذنوب التي يأثم عليها صاحبها، ويكون حسابه عند الله تعالى.

بينما أوضح الفقهاء أنه لا يزال مسلمًا ويجب أن يتم تغسيله وتكفينه كما يكفن بقية المسلمين، ويُدفن في مقابرهم دون أي شك، وهذا ما لا يجب الحياد عنه، فتلك حدود الله ويجب تنفيذها.

اقرأ أيضًا: حكم صلاة الجماعة في المسجد عند الأئمة الأربعة

جزاء الانتحار من السنة النبوية

قد وُرد في السنة النبوية ما إن تمسك بها المسلم واستند إليها لن يشقى في تلك الدنيا، فإن جزاء المنتحر الذي يتداوله الناس ويحدث خلاف كبير بينهم بسببه يكون ناتج عن عدم فهم الدين، فعلى كل يجب أن ندع الخلق للخالق، لا بأس، ولكن لا يجب العناد في أمور الدين المُسلم بها.

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ:

“مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.” [صحيح البخاري].

يوضح الحديث أن قتل النفس من أكبر الكبائر التي يمكن أن يرتكبها العبد تجاه ربه ونفسه، فيوضح ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن من يقتل نفسه رميًا من فوق جبل أو أي مكان يكون جزاؤه النار والعياذ بالله.

كذلك الحال لمن قام بطعن نفسه بأي سلاح أو معدن، أو من شرب سُمًا، ولكن الخلود المذكور في الحديث هنا يعني أن الفرد سوف يحاسب على ذلك بقدر ما يريد الله تعالى، ولا تعني أنه يبقى إلى الأبد في نار جهنم التي لا يطيق الإنسان أن يبقى فيها لو ليوم.

إذًا فإن إزهاق النفس من الكبائر المحرمة والتي يأثم صاحبها، كما يحاسبه الله تعالى ـ ما دام يعرف أنه أمر محرم وارتكبه ـ، ولكنه لا يعد كفرًا بالله تعالى أو خروج من الملة فلم يذكر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذلك.

حفظ النفس من المقاصد العليا في الشريعة الإسلامية، وعليه فإن قتل النفس بدون حق من أكبر الكبائر استدلالًا بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ولكن يجوز الدعاء للمنتحر بالمغفرة والرحمة.