حكم تداول الذهب عبر الإنترنت من القضايا التي تتضارب فيها الآراء وتختلف بين العلماء وكذلك تختلف المبررات والتفسيرات، فصار في هذه الآونة كل شيء يمكن إتمامه وإنجازه عبر الإنترنت من بيع وشراء وغيرها من المعاملات، وفيما يلي نتعرف على التفاصيل المتعلقة بتداول الذهب بشيء من التفصيل من خلال موقع سوبر بابا.

حكم تداول الذهب عبر الإنترنت

إن التطور الإلكتروني التقني الذي يشهده العصر الحالي أدى إلى ظهور مسائل ومعاملات تتطلب فتوى شرعية تحتاج إلى تمهل ودراسة ومراعاة لظروف العصر الحالي، ومن هذه الأمور هي مسألة تداول الذهب عبر الإنترنت.

في هذه النقطة قد اختلف العلماء وتباينت آراؤهم بين مؤيد ومُحلل وبين مُعارض ومُحرم، ويتم الاستناد هنا إلى الحديث الذي رُوي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال –

الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، يَدًا بيَدٍ، فمَن زادَ، أوِ اسْتَزادَ، فقَدْ أرْبَى، الآخِذُ والْمُعْطِي فيه سَواءٌ. [وفي رواية]: الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فَذَكَرَ بمِثْلِهِ” [صحيح مسلم].

على أساس الحديث السابق حرم الكثير من العلماء مسألة بيع الذهب وتداوله عبر الإنترنت بسبب أن الشراء عبر الإنترنت يتضمن فترة انتظار حتى يصل الذهب ويتم تسليمه، ونهى الرسول عن المعاملات التي يكون فيها احتمالية لتغيير السعر.

اقرأ أيضًا: تجربتي في تجارة الذهب

تباين الفتاوى حول بيع الذهب إلكترونيًا

كما تعرفنا في حكم تداول الذهب عبر الإنترنت أن العلماء لم يتفقوا على رأي واحد، وقد رأى بعض العلماء أن العملية تلك يمكنها أن تكون جائزة في حالة كان التسليم والاستلام في نفس المجلس، أي يمكن الاتفاق بين الطرفين على موعد محدد يتقابلان فيه ويقوم كل منهم بتسليم الآخر حقه، ففي هذه الحالة جائز.

بعض العلماء في دار الإفتاء المصرية توصلوا إلى حلٍ وسط ألا وهو أن يتم إرسال الذهب إلى العميل ويتم الدفع من خلال بطاقة الائتمان فور وصوله، وبذلك يكون قد تحقق مبدأ المقايضة مع تحقق التداول عبر الإنترنت، وفي هذه الحالة يكون الأمر جائز.

العلماء الذين يميلون إلى تجنب وتحريم هذه المعاملة يستندون أيضًا إلى حديث آخر ألا وهو ما رُوي عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:

الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ وبينهما متشابهاتٌ، فمن تركهن كان أشدَّ استبراءً لعِرضِه ودِينِه، ومن ركِبهن يُوشِكُ أن يركبَ الحرامَ، كالمَرتَعِ إلى جانبِ الحِمَى يوشِكُ أن يرتعَ فيه، وإنَّ لكلِّ ملِكٍ حمًى، وإنَّ حمَى اللهِ محارمُه” [رواه نعمان بن بشير].

أي أن ترك الأمور التي هي محل شبهة ومحل جدال وتدخل الشك في جوازها من الأفضل تركها اتقاءً لله تعالى وتجنبًا للوقوع فيما هو مُحتمل أن يكون مُحرمًا.

اقرأ أيضًا: ما حكم الدين في أرباح عملة البيتكوين

اشتراط حضور العوضين

تعرفنا فيما سبق أثناء الحديث عن حكم تداول الذهب عبر الإنترنت أن حرمانية هذه المعاملة تقوم بسبب عدم اجتماع طرفي المعاملة في مجلس واحد، ويؤكد ذلك أكثر هو فتاوى الشيوخ عبد العزيز بن باز وعبد الرزاق عفيفي وعبد الله بنغديان وعبد الله بن قعود أنهم قالوا في حالة بيع الذهب مقابل فضة أو مقابل أموال فيجب أن يكون العوضين حاضرين في نفس مكان إتمام المعاملة.

أي أن يتم التبادل يدًا بيد وهو ما يُطلق عليه التبادل الفوري، وإذا لم يحدث ذلك فإنه يُطلق عليه ربا النسيئة، ويُستند إلى الحديث الذي رُوي عن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:

الورِقُ بالذَّهبِ ربًا إلَّا هاءَ هاءَ والبرُّ بالبرِّ ربًا إلَّا وهاءَ وَهاءَ والشَّعيرُ بالشَّعيرِ ربًا إلَّا هاءَ وَهاءَ والتَّمرُ بالتَّمرِ ربًا إلَّا هاءَ وَهاءَ” [حديث صحيح].

كذلك الأمر يسري على معاملات الفضة فلا يجوز تداولها إلا يدًا بيد وأخذ الثمن في نفس مجلس التعاقد، وتأكيدًا لما سبق نذكر قول مالك بن أوس بن الحدثان الذي قال:

“أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَن يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَهو عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ، ثُمَّ ائْتِنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا، نُعْطِكَ وَرِقَكَ، فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: كَلَّا، وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، أَوْ لَتَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: الوَرِقُ بالذَّهَبِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بالبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بالتَّمْرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ” [حديث صحيح لم]

فما يحدث غير ذلك يُعتبر نوع من أنواع الربا وهو ما حرمه الله عز وجل.

اقرأ أيضًا: عقوبة تداول العملات الرقمية في السعودية

شروط صحة بيع الذهب والفضة عبر الإنترنت

بعد أن تعرفنا على حكم تداول الذهب عبر الإنترنت والذي هو حكم على الطريقة المتعارف عليها بأن يشتري الشخص الذهب ويدفع ثمنه وينتظر وصوله فهو محرم، ولكن توجد بعض الشروط التي يمكنها أن تجعل هذه المعاملة جائزة، وهي:

  • أن يوكل العميل شركة شحن تستلم نيابة عنه، ويحصل العميل على رقم العملية حتى يتابع بنفسه تطورات مرحلة الشحن، كما أن يُفضل أن يكون هناك أكثر من شركة شحن يتم الاختيار بينهم.
  • لا يُخصم الثمن من العميل أو يتم تقييده لصالح الطرف الآخر إلا بعد إتمام عملية التسليم لشركة الشحن.
  • إن كان الدفع يتم بواسطة بطاقة ائتمان، فيجب تأخير الدفع حتى يتم استلام المنتج.
  • في حالة كان الدفع يتم من خلال بطاقة خصم أو بطاقة مسبقة الدفع أو ما يشبهها، فيتم الدفع فور استلام شركة الشحن للمنتجات.
  • في حالة لم توصل شركة الشحن المنتجات للعميل، فيجب على البائع أن يعيد الأموال إلى المشتري ويقوم بمقاضاة شركة الشحن.

في النهاية من المهم القول إن اتقاء الشبهات من أبواب التقوى ودرء الحرام والابتعاد عنه بقدر المستطاع، فلا داعٍ للخوض في مثل هذه المعاملة لما فيها من اشتباه من حرام.