رأي الأئمة الأربعة في فوائد البنوك قد يثير الجدل أكثر من المعتاد، حيث إن القروض والفوائد من أكثر القضايا الشائكة تلك الأيام، والتي يجب زيادة التوعية لها والتنويه على حكمها في الشرع كي يفيق فئة كبيرة من الناس، ومن هنا عبر موقع سوبر بابا سوف نتناول سويًا حكم الفوائد البنكية، وهل يمكن الزكاة أو التصدق منها أم لا.

حكم الربا في الإسلام

قبل التطرق في الحديث عن رأي كل من الأئمة في المذاهب الأربعة بخصوص الفوائد البنكية فمن الجدير بالذكر التنويه أن ما نلجأ إليه لفهم الدين هو الكتاب وسنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ومن ثم الأخذ برأي الفقهاء والمشايخ، لأنهم الأكثر علمًا كما أرشدنا الله تعالى في القرآن الكريم.

من تلك الآراء في المذاهب الأربع يمكن للمسلم أن يأخذ ما يشعر أنه يرضي الله تعالى، وأنه صواب فلا يوجد ما يُحتم أن يتم اتباع أي من المذاهب، ولكن التصديق على كلام الله تعالى المذكور في كتابه الكريم أمر واجب.

بدايةً في الحديث عن حكم أخذ فوائد البنوك نستشهد بكلام الله تعالى في كتابه الكريم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [سورة البقرة الآية 278-279].

أي أن الله تعالى أمر بشكل ناهٍ ولا جدال فيه بالقرآن الكريم أن الربا أيًا كانت أشكاله من الأمور المحرمة، والتي يجب على المسلم أن يتجنبها بشكل تام، حتى لا يكون عُرضة للإثم.

الفوائد البنكية في المذاهب الأربع

قد تم الإجماع من قبل فقهاء المذاهب الأربع على أن الفوائد البنكية من أشكال الربا فهي زيادة عن المال الأساسي، وهو ما يجعلها محرمة ولا يجب على المسلم أن ينتفع بها، ونصحوا ألا يتم وضع الأموال في البنوك التي تقدم تلك الخدمة الربوية، واستبدالها بأي من البنوك الإسلامية.

اقرأ أيضًا: حكم المرتد في المذاهب الأربعة

الشيخ الشعراوي والفوائد البنكية

من الشائعات الدارجة عن الشيخ الشعراوي رحمه الله أنه أفتى بأن الفوائد البنكية من الأمور الحلال والتي لا إثم فيها، ولكن على العكس قد أوضح الشعراوي رأيه في ذلك الصدد بأن الفائض على رأس المال من البنك من الأمور المحرمة فهي ربا صريح.

كما أوضح خلال تعبيره عن رأيه أنه يتعجب من فئة من الناس يحاولون النقاش والاعتراض على ما حرمه الله تعالى بشكل واضح وصريح، راغبين هم في تحليله لأنفسهم، وعقّب أن ما يؤخذ دون تعب أو اجتهاد فيه وتجارة يعد ربا ولا يجب أن يتم الحصول عليه.

الشيخ شلتوت والربا

من ضمن الفقهاء الذين أوضحوا رأيهم بخصوص الفوائد البنكية هو شلتوت ـ رحمه الله ـ، فلم يبيحها كذلك ولكنه قال إنه يمكن أن تكون حلالًا في حالة كان هناك ضرورة للفرد أو المجتمع، وهو ما عارضه فيه بقية الفقهاء والأئمة.

حيث إن الإسلام لا يبيح أن يضع العبد ماله كرأس ماله ويأخذ عليه ربحًا محددًا، وتم تسميته بالربا ويجب أن يكون لدى المسلم نسبة من الربح والخسارة حتى يكون الأمر جائزًا له.

فسواء كان الربح قليلًا يشارك في القليل، وإن كان كثيرًا يحظى به، ولا يكون الربح محددًا بنسبة، وقد يكون هناك خسائر فادحة، لذلك عارض الفقهاء الشيخ شلتوت رحمه الله.

الشيخ كشك والفوائد البنكية

الشيخ كشك من العلماء الذين تثير آرائهم الجدل بين الناس، ولكنه قد أعطى رأيًا حاسمًا بخصوص الربا والحصول على الفوائد البنكية فأوضح أنها محرمة تمامًا ولا يجوز للمسلم أن يحصل عليها لأنها من مظاهر الربا، مثلها كمثل الخمر والسرقة وغيرها من الأمور التي لا نزاع فيها.

محمد الغزالي والفوائد البنكية

من علماء الدين الذين أوضحوا رأيهم في الفوائد البنكية هو الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فقد قال إن الربا محرم من جميع الأديان السماوية، بينما استباحه اليهود فقط في المعاملة مع الأجناس الأخرى، وذلك نابع عن أنانيتهم.

أما الكنيسة في السابق فلم تكن تتعامل به، بل إن الانفتاح وعندما قامت أوروبا بإزالة كل القيود فلم تجد الكنيسة سوى أن تنقاد لأساليب الحياة الجديدة ومن وقتها أصبح هناك استقرار في المعاملات الربوية، ومن ثم انتشرت في العالم أجمع.

من ثم استطاع المسلمون أن يقوموا بالاعتراف بشأن حرمانية الربا، وأن يتم مواجهة الأمر من خلال إنشاء المصارف والبنوك الإسلامية التي تتعامل دون ربا أو فوائد.

قد أحرز ذلك نجاحًا باهرًا في التخلص من المعاملات الربوية، إلا أنه أصبحت البنوك الربوية على حافة الهاوية حتى تدخلت من جديد لإحياء مبادئها، وأوضح الشيخ أن الأمر لا يتوقف على الربا فقط، بل إنه يمتد للزنا، شرب الخمور والعديد من القضايا الأخرى التي حلّت على العالم العربي من الغرب.

فعقّب أن المعاملات البنكية منها ما محرم بشكل لا نقاش فيه، ومنها ما هو مباح بيقين، وما بين ذلك يختلط الخبيث بالطيب، وأوضح الغزالي أنه يجب أن يتم النظر في الأعمال البنكية واختيار الإسلامية منها دون الحصول على الفوائد.

مع ضرورة الابتعاد عن أي من المعاملات المشبوهة أو التي فيها جزء شك بالوقوع في الإثم، ونصح أن يتم الاستعانة برأي الفقهاء لكي يتم اتباع ما هو صواب.

الأزهر والفوائد البنكية

أهم الآراء التي يتم الاعتماد عليها تلك الآونة هي رأي الأزهر الشريف، وبخصوص الربا فقد أوضح الشيخ أحمد الطيب أن تلك القضية بها شك حتى الآن ونزاع بين الفقهاء، إلا أنه رأى أنه في حالة كانت النية هي الإيداع فإن الحصول على فوائد البنك أمر محرمًا، بينما في حالة كان هدفه هو الاستثمار فلا إثم عليه ويمكنه الحصول على أموال الفوائد البنكية.

اقرأ أيضًا: حكم القرض الشخصي من بنك الراجحي

الزكاة من الفوائد البنكية

من ضمن القضايا الهامة التي يجب تسليط الضوء عليها أثناء الحديث عن حكم الفوائد البنكية هي هل يمكن الزكاة من أموال الفوائد كما يفعل فئة كبيرة من الناس؟ أم كيف يتخلص منها المسلم بعدما علم بحرمانيتها.

قد أوضح الفقهاء في ذلك الأمر بأن الفوائد البنكية من الأموال المحرمة والتي لا يجب أن يتم أخذها، فليس للمرء سوى ما أودعه في البنك لا أزيد أو أقل، ولكن لا يجب أن يتركها كذلك في البنك، ففي ذلك تقوية له ودعم.

أما عن الزكاة فلا يجب أن يتم التزكي من أموال الفوائد البنكية، وذلك لما فيها من حرمانية، ويجب أن تكون الأموال الخاصة بالزكاة من المال نفسه، وهي لا تطهر المال الحرام، وبالتالي فلا يجوز لك أن تتزكى منه.

التصدق من الفوائد البنكية

نظرًا لأن الفوائد البنكية من الأموال المحرمة فنصح الفقهاء بأن يتم أخذ تلك الأموال والتصدق بها لمن يستحق من الفقراء والمساكين أو المحتاجين، أو أن يتم التبرع بها لأي مشروع خيري، حتى يتم الانتفاع به لصالح الإسلام والمسلمين.

كما يجب التنويه على ألا يتم اتباع ما يتم قوله من فتاوى بضرورة إلقاء ذلك المال في القمامة أو البحر والتخلص منه لأنه خبيث ولا يجب أن يتصدق الشخص بمال محرم، فهذا ما يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي، فلا يجب أن يقوم الشخص بإضاعة الأموال أو الاستهانة بها.

حيلة البنك يتاجر في الأموال

هناك فئة كبيرة من الناس تحاول بأي شكل أن تتحايل على ما حرّمه الله تعالى، وأن تجد المنفذ للخلاص من حكم التخلص من الأموال الفائضة على رأس مالها في البنوك، ولهذا نوّه الفقهاء أنه لا يجوز أن يتم أخذ الفوائد البنكية بحجة أن البنك يقوم بالمتاجرة فيها.

فلنسير على رأي تلك الحيلة، هل نسبة الفوائد التي تعود لك من متاجرة البنك تكون بالفعل مناسبة لما يتم إيداعه؟ وهناك سؤال آخر يمكنك به التخلص من وسوسة تلك الحيلة وهي إن كانت مشاركة فأين نسبتك من الخسارة؟

فمن المتعارف عليه أنه في حالة المشاركة بأي مشروع تجاري برأس المال أن يكون لك نسبة من كل من المكسب والخسارة على حد السواء، لا أن تحصل على نسبة الربح فقط من أموالك، وعلى هذا فإن كل زيادة على رأس المال يعد من الربا المُحرم.

دار الإفتاء تحلل الفوائد البنكية

من ضمن الفتاوى التي أثارت الجدل منذ فترة هي رأي مفتي الجمهورية بخصوص الحصول على الفوائد البنكية، فقد قال إن الربا من الأمور المحللة ولا يأثم المسلم في حالة حصل عليها، ولكن الجدير بالذكر أن تلك الفتوى كانت من وجهة نظره أن الربا يكون في استخدام الذهب والفضة وليس الأموال.

لكن عارضه عيد يوسف أمين عام لجنة الفتاوى بالجامع الأزهر وأوضح أن الفوائد البنكية من الربا ومحرمة، فإن ما يسير على التعاملات بالذهب والفضة في السابق يسير على المعاملات المالية في عهدنا الحالي.

اقرأ أيضًا: حكم تأخير إخراج الزكاة عن وقتها بغير عذر شرعي

مفتي المملكة “الفوائد جائزة عند الحاجة”

قد أوضح عبد العزيز آل شيخ مفتي المملكة العربية السعودية أن الفوائد البنكية من الأموال المحرمة والتي لا يجب أن ينتفع المرء منها، وذلك سوى في حالة الحاجة، ولكن الحاجة هنا تعني العوز الشديد ومن لا يوجد لديه وظيفة أو دخل مثلًا.

كما نوّه المفتي عن أن أخذ الأموال لكي يتم إقامة المشاريع الخيرية أو التبرع للمحتاجين، شراء المصاحف، بناء مسجد والتصدق من الأمور الجائزة كذلك ولا إثم في أن يتم أخذ أموال الفوائد من أجلها.

الآراء بخصوص الفوائد البنكية والقروض لا تزال في نزاع ولم تُحسم، وإن كانت نسبة الخلاف بسيطة فهي تدور في عقول كثيرة، لذا ينصح أن يتم اتباع ما أمر الله تعالى به ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع تجنب أي شيء فيه شك حرمانية ولو بنسبة بسيطة كما يحثّنا ديننا الحنيف.