شرح حديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد يحمل في طياته العديد من الأحكام التي قد يجهلها البعض، لذلك فإن شرح وبيان تلك الأمور قد تبين ما لا يكن الكثير على دراية به فيما يتعلق بالنكاح والطلاق والرجعة، لذلك سيتم تناول تلك الأمور بشكل مفصّل من خلال موقع سوبر بابا.

شرح حديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد

روى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ثلاثٌ جِدُّهنَّ جدٌّ وَهَزلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجعةُ“، لأنه لا يجوز نسبة أي قول لرسول الله دون التثبت من هذا القول، كان لابد وأن نبين تخريج هذا الحديث حتى نتمكن من شرحه وتفصيله.

فهذا الحديث قد رواه أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أكثر الرواة حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه: أبي داود والترمذي، وابن ماجه، وقال عنه الألباني: “حديثٌ حسن”

لما كان النكاح شيء مقدس، وميثاقٌ غليظ، حظي بعناية الشرع، ولذلك تحدث عنه القرآن كثيرًا وفصّل القول في كثير من أحكامه، وكذلك وجدت العناية به من قِبَل السنة النبوية.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار في هذا الحديث إلى أمور ثلاث، فقال “جدهن جد” أي أنه يقع الحكم في هذه الأمور على حقيقته، فإذا كان يقصد به حقيقته، فإنه يقع حقيقة، وقوله “هزلهن جد” أي أنه يحكم فيهم بالمعني الحقيقي.

فلو أن المتحدث لا يقصد هذا المعنى وإنما قصد معنى آخر، ومعنى ذلك أن الجد والهزل في هذه الأمور يستويان، فإنه يقع الحكم فيهما وينفذ كأنه قيل الجد في كلاهما.

1- عقد النكاح

فالحديث أشار إلى ثلاثة أمور أولها النكاح، أي عقد الزواج، بمعنى أنه لو قال وليّ المرأة لرجل زوجتك ابنتي، فقال هذا الرجل: وأنا قبلت زواجها، وقع الزواج وأصبحت تلك المرأة زوجة له مادام صدر هذا الزواج من بالغ عاقل مكلف مختار يصح الزواج منه.

فإن قال الزوج لم أقصد زواجًا، وإنما قلت ذلك مازحًا فإنه لا يصح قوله ويقع النكاح.. كذلك لو قال وليّ المرأة زوجتك فلانة، ثم قال الزوج قبلت، فإنه يقع النكاح، فلا يصح لوليّ المرأة أن يقول كنت أمازح أو كان هزلَا ويقع النكاح لأنه أمر يستوي فيه الجد والهزل بدلالة هذا الحديث.

2- واقعة الطلاق

إن باب الطلاق واسع، والأحكام فيه كثيرة، ذلك أن الكلمة إذا خرجت قد تغير حياة كاملة وتفكك أسرة بأكملها، لذلك كان الطلاق من الأمور التي لا يصح فيها الهزل ويكون الجد والهزل فيها سواء ويحكم فيها بالأمر على حقيقته.

وعليه، يقول الزوج لزوجته بلفظ صريح: أنت طالق، ففي هذه الحالة يقع الطلاق، فإن قال الزوج لم أقصد طلاقًا وإنما قلت ذلك مازحًا فلا يُعتد بقوله، لأن الطلاق من الأمور التي لا يجوز فيها الهزل.

3- إمكانية الرجعة

الرجعة من الأمور الهامة التي حظَت بعناية الشرع واهتمامه حتى لا يحدث خلط بين الناس فيها، فبين لنا الشرع وفصّل فيها القول، لذلك إن قال الرجل لزوجته التي طلقها أنه قد راجعها بأي لفظ يدل على الرجعة، وكان ذلك كان قبل انقضاء العدة، فإن الحكم فيها نافذ بناءً على قوله.

فلو قال لم أنوي أن أراجعها بل كنت مازحًا، لا يُعتد بقوله، ولا يؤخذ بنيته، وإنما العبرة هنا بقوله، لأن الهز والجد فيها سواء بدلالة الحديث.

اقرأ أيضًا: حديث من لا يشكر الناس لا يشكر الله

ما يؤخذ من لحديث ثلاث جدهن جد

إن كل حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لابد وأن يحمل في طياته العديد من العبر أو الأحكام، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على تعليم أمته أمور دينهم ودنياهم، لذا لا يخلو حديث من عبرة وعظة، أو وصول حكم معين في الأذهان.

  • يبين لنا الحديث مدى أهمية هذه الأمور الثلاثة، ومدى خطورتها التي حذر منها الإسلام.
  • بين لنا أن العبرة في أخذ الحكم في هذه الأمور الثلاثة بالفعل الظاهري، أما النية والقصد الداخلي لا يؤخذ بها في النكاح والطلاق والرجعة، ويؤخذ منها فيما دون تلك الأمور.
  • حذرنا هذا الحديث من المزح والهزل في هذه الأمور الثلاثة، ذلك أنها أمور تتعلق بالأعراض التي يجب أن تُحفظ.
  • بين لدى الحديث أن النية أساس كل عمل، حيث أنه لما استثناها من هذه الأمور الثلاثة في هذا الحديث، دل ذلك على أنها من أمر أساسي يقوم عليه كل عمل.
  • وضح هذا الحديث أنه لا يجوز للمرء أن يتهاون في مثل هذه العقود الخطيرة ويتلاعب بالألفاظ.
  • يبين هذا الحديث مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته كل أمر من أمور دينهم ودنياهم.

حكم الطلاق

لما كان الطلاق من أهم الأمور التي اعتنت بها الشريعة الإسلامية، والتي فصّلت وبينت أحكامها، كان لابد من ذكره وتفصيل أحكامه هنا، فعلى الرغم من أنه أبغض الحلال إلى الله، إلا أنه تتعدد أحكامه في الشريعة الإسلامية.

1-الطلاق المباح

إن الطلاق يكون مباحًا في بعض الحالات وهي إن تضرر الزوج من زوجته بسبب سوء أخلاقها وسوء عشرتها، أو كرهها الزوج.. وكذلك يباح إن كرهت الزوجة البقاء مع زوجها وأرادت الطلاق، فإنه هنا يكون مباحًا.

2- الطلاق المندوب

يكون الطلاق مستحبًا في كثير من الحالات وأولها عند إهمال الزوجة لزوجها وتقصيرها في حق من حقوق الله عز وجل ولم ينفع معها نصح زوجها لها.. وكذلك يستحب الطلاق في حلالة كثرة الشجار والنزاع بين الزوجين وطلبت الزوجة الطلاق.

بالإضافة إلى ندوب الطلاق إن كانت الزوجة ذات أخلاق سيئة أو خشي الزوج على نفسه أنه يقع في الفاحشة إن بقيت معه تلك الزوجة، فحينها يندب الطلاق.. كما يندب أيضًا إن كرهت الزوجة زوجها، وتضررت من البقاء معه.

3- الطلاق الواجب

قد يصبح الطلاق واجبًا في كثير من الحالات أولها إذا استحالت العشرة بين الزوجين بسبب الخلاف بينهما لدرجة أنه قد يلحق أحدهما أذى، وقد استحال الصلح بينهما.

إذا امتنع الزوج من معاشرة زوجته، وقد ذكر الله عز وجل هذا الأمر في القرآن الكريم، وبين أن الواجب هنا إما أن يطلق الرجل زوجته، أو أنه يرجع عن هذا الإيلاء مدة أربعة أشهر أتاحها الله عز وجل له.

فأمر الزوجة أن تصبر خلال تلك المدة، فإن لم يرجع عن قوله، وجب الطلاق بينهما، فقد قال الله عز وجل في سورة البقرة: لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)

4- الطلاق المكروه

يكون الطلاق مكرهًا إذا لم يكن هناك أي سبب يستدعي الطلاق، وأراد الزوج الطلاق، وقد قال بعض العلماء أنه يصنف تحت الطلاق المحرم بسبب الضرر الذي يلحق الزوجة من وراء هذا الطلاق.

5- الطلاق المحرم

قد يكون الطلاق حرامًا، وهذه الحرمة تتعلق أحيانًا بوقت وقوعه أو كيفيته فيكون الطلاق حرامًا إذا وقع من الزوج أثناء مدة حيض الزوجة أو أثناء النفاس، أو إذا طلقها في الطهر الذي جامعها فيه، والذي يسمى بالطلاق البدعي، فيحرم هذا الطلاق وذلك حفظًا للأنساب من الاختلاط.

أو عندما يطلق الزوج زوجته ثلاثًا بكلمة واحدة، أو يطلقها أكثر من طلقة في مجلس واحد، كما يكون مُحرم إذا ترتب على هذا الطلاق أن يقع أحد الزوجين في الفاحشة بسبب هذا الطلاق، فإنه يصير محرمًا.

كذلك إن طلق الزوج زوجته من غير وجود أي سبب للطلاق، ولم يحدث من الزوجة أي تقصير تجاه زوجها.. فكل تلك الحالات تجعل الطلاق حرامًا.

اقرأ أيضًا: حديث عن صلة الرحم قصير

أحكام تتعلق بالطلاق

إذا قرر الزوج والزوجة الطلاق، فعليهما بالرجوع في ذلك لأهل الخبرة وعلماء الفقه، ذلك أنه كما ذكرنا سلفًا أن الطلاق تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، وأنه قد تختلف حالة عن أخرى، لذلك لابد من وجود مفتي يستفسر عن تفاصيل وقوع الطلاق، في أي حالة وقع، وفي أي وقت قيل ونحوه من الأمور التي تمكنه من إعطاء حكم بشكل صحيح للسائل.

اختلف الفقهاء حول الحكم الواجب فيمن طلق زوجته ثلاثًا في نفس المجلس، هل يقع طلقة واحدة أم لا، فقال البعض: أنه في هذه الحالة يقطع الطلاق طلقة واحدة، بينما قال رأي جمهور الفقهاء: أن الطلاق يقع ثلاثًا.

حكم الحلف بالطلاق

يجب على المسلم أن يضبط لسانه، وألا يحلف إلا عن الحاجة ولا يحلف إلا بالله، ويختلف الأمر بعض الشيء في حالة الطلاق، لأنه قد يترتب عليه تفرقة الزوجين وانفصالهما.

  • إن قال الزوج تكون امرأتي طالق إن فعلت كذا أو قوله: عليّ الطلاق كذا، فإن ذلك يُعد حلفًا بغير الله لا يقصد به الزوج طلاقًا، لذلك قال فيه الفقهاء: أن الطلاق هنا لا يقع.
  • إن علّق الزوج الطلاق على فعل شيء معين كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق إن فعلتِ كذا، أو إن ذهبتي إلى كذا، فهنا الزوج قد قصد الطلاق، لذلك قال الفقهاء، أنه إن حدث الشرط المعلق عليه الطلاق، فإنه يقع وهذا باتفاق الفقهاء.

اقرأ أيضًا: حديث عن بر الوالدين

حكم طلاق غير المدخول بها

إن المرأة المعقود عليه غير المدخول بها، تختلف أحكام طلاقها عن غيرها، فإن طلاقها يقع بائنًا بينونة صغرى.. أما إذا وقع طلاق غير المدخول بها، فإنها لا عدة لها، وليس للرجل أي حق عليها بعد أن يطلقها، فليس له أن يطلقها مرة أخرى، وليس له الحق أن يراجعها، فإن أراد الرجوع إليها فلابد من عقد ومهر جديدين.

الطلاق له أحكام كثيرة، فإذا أراد أحد الأشخاص معرفة حكم من أحكام الطلاق، فعلية أن يذهب لأهل الخبرة وأصحاب الرأي السديد، ممن هم على دراية بأحكام الشريعة الإسلامية.

لا بد من إظهار الجدية الكاملة عند التعامل مع أحكام الشريعة، والتثبت فيما يجوز الهزل وفيما يكون الجد، فالهزل في تلك الأمور قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.