عند التمعن في غزوة أحد أسبابها ونتائجها علينا أن ندرك بعض النقاط الهامة من الناحية العقيدية والعسكرية، لنتمكن من تحليل نتائجها بشكل صحيح ونتعلم الدروس المستفادة ولنتجنب الأخطاء التي وقع فيها بعض المجاهدين في الجيش المسلم وقتها، ومن خلال موقع سوبر بابا، سوف نشمل غزوة أحد من كافة الجوانب.

غزوة أحد أسبابها ونتائجها

تعتبر غزو أحد من الأحداث التاريخية الهامة والاستثنائية في التاريخ الإسلامي، حيث أنها شهدت تخبطا غير معهود لبعض جنود المسلمين، الأمر الذي جعل يوم أحد مثار جدل بين المؤرخين من حيث تحليل أحداثه ونتائجه.

أولًا: أسباب غزوة أحد

بعد الهزيمة المذلة التي لقيها أهل مكة من المشركين في غزوة بدر، أرادوا أن يردوا الصاع صاعين للمسلمين، لاسيما أن هزيمتهم جاءت على يد من هاجروا من مكة منذ فترة قصيرة، بينما كان جيش المسلمين في نفس الوقت قد أغلقوا جميع السبل التي تسير فيها بقوافل التجارة من وإلى الشام، فأصبحت تجارة المشركين تحت سيطرة جيش المسلمين، مما أغضب المشركين.

خرج أبو سفيان بن حرب ومعه بعض تجار قريش ليتاجر ببعض الفضة، وكان فرات بن حيان دليل القافلة في طريقهم، فبعث رسول الله الصحابي الجليل زيد بن ثابت إليهم لينال منهم ومن قافلتهم، مما أدي إلى انكشاف هذا الطريق مثل الطرق السابقة، أمّا غطفان وسليم فقد أخذتهم الحمية وقرّروا أن يهاجموا المسلمين ولكنهم لما علموا أن رسول الله وجيش المسلمين لهم بالمرصاد هربوا جميعا.

بعث ذلك الرهبة في قلوب المشركين وأدركوا أن المسلمين لم يعودوا مستضعفين كما كانوا في مكة بداية الرسالة، لاحظ مشركي مكة أن عرب البادية واليهود والوثنيين لديهم نفس الكراهية والحقد على المسلمين فقرروا التحالف معهم للحرب على الإسلام، وأعدوا أسلحتهم وخيولهم وجهزوا جنودهم لتكون الشرارة الأولي لغزوة أحد.

ثانيًا: الاستعداد لغزو أحد

استشار النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أصحابه في الخروج لملاقاة جيش المشركين، وقد رأي محمد عليه الصلاة والسلام أن يكون موقع الغزوة في المدينة المنورة، بحيث يتمكن المسلمون من قتالهم قتالًا ضاريًا خاصةً في المداخل الضيقة للمدينة، وبمشاركة النساء من أعلى البيوت، لكن اللذين تخلفوا عن معركة بدر والمتحمسين للقتال كان رأيهم أن يخرجوا من المدينة، وأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام بمشورتهم ونزل على رأيهم.

لما أحس الصحابة أنهم خالفو الرسول، تراجعوا في رأيهم لكي ينزلوا على رغبة الرسول لكن رسول الله قال قولته الشهيرة (ليس لنَبيٍّ إذا لَبِسَ لَامَتَه أنْ يَضَعَها حتى يُقاتِلَ) فاتفقوا جميعًا على ملاقاة المشركين عند جبل أحد، ليكون أمانًا لهم وستارًا من الخلف وليتمركز عليه رماة المسلمين ولتكون وجوههم للمدينة المنورة، ثم بدأ رسول الله في التجهيز والاستعداد للمعركة.

جهز النبي عليه الصلاة والسلام الجيش للقتال ووضع خمسين من الرماة على الجهة الغربية لحمايتهم من فرسان المشركين ومن تكتيكات خالد بن الوليد، وأكد عليهم رسول الله قائلًا (لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا) كانت تعليمات النبي واضحة للرماة بعدم نزولهم من الجبل مهما حدث، حتى وإن شاهدو تقدم الجيش المشرك على المسلمين لا يساعدوا في القتال بالسيوف وأن يلتزمون بدور الرماة فقط.

كان الجيش المسلم عتاده ألف مقاتل، مقسمين إلى ثلاثة ألوية حددهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  • لواء بقيادة الصحابي أسيد بن حضير رضي الله عنه.
  • لواء المهاجرين: وكان تحت قيادة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي رواية أخرى مصعب بن عمير.
  • لواء الخزرج: وكان تحت قيادة الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه، وفي رواية أخري سعد بن عبادة رضي الله عنه.

أما عن جيش المشركين فكان عتاده ثلاثة ألاف مقاتل بدأوا في الاستعداد لمواجهة المسلمين بقيادة أبي سفيان بن حرب، كما وضعوا على ميمنة الجيش أفضل قاداتهم خالد بن الوليد، بينما كانت ميسرة الجيش تحت قيادة عكرمة بن أبي جهل، أما عن قوات المشاة فمن يقودها صفوان بن أمية، ووضعوا على الرماة عبد الله بن أبي ربيعة قائدًا، صلى رسول الله بالناس الجمعة صلاة الجمعة، وحثهم على الثبات، ووعدهم بالنصر من عند الله إذا اجتهدوا، ثم صلّى بهم العصر ليجتمعوا بعد ذلك لملاقاة المشركين.

من المعروف عن أبي سفيان بن حرب أنه كان من دواهي العرب، لشدة ذكائه وحنكته السياسية والعسكرية، وقد حاول قبل موقعة أحد أن يوقع بين المهاجرين والأنصار ويثير الفتن بين صفوف الجيش المسلم حيث أرسل كتابًا للأنصار يقول (خلُّوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم)، لكنهم الذين ناصروا الرسول في بداية الهجرة لم يتخلوا عنه بل وردوا علي أبو سفيان بما يكره.

حاولت قريش محاولة أخري لإثارة الفتنة، فأرسلت الراهب المعروف عنه الفسوق عبد عمرو بن صيفي، ليظهر العداوة للرسول وليحرض المشركين على إبادة المسلمين، إلَّا أن جميع محاولات قريش قد باءت بالفشل؛ لأن عقيدة المؤمنين كانت قوية وصدورهم مملوءة بالإيمان واليقين بأن الدين حق وأن رسالة الإسلام يجب أن تصل إلى الأجيال القادمة.

اقرأ أيضًا: لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم

ثالثًا: أحداث غزو أحد

حدثت غزوة أحد في العام الثالث من الهجرة يوم الخامس عشر من شوال، تقابل الجيشان للمعركة، واشتد البأس على جيش المشركين، وبدأوا في الفرار وترك معداتهم، حتى أنهم أصبحوا خلف نسائهم، وباتت السيطرة التامة لجيش المسلمين حتى أن فرسان الجيش المسلم كانوا يحومون حول ألوية المشركين، ويذكر أن طلحة بن أبي طلحة كان كبش الكتيبة وحامل لواء المشركين، وكان لا يشق له غبار، فهابه المسلمون لشدة بأسه.

إلَّا أن الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه هجم عليه وطرحه أرضًا فقتله على مرأى ومسمع من الجيشين المشهد الذي كان له أثرًا بالغًا على نفوس المشركين وثبط عزيمتهم كما أشعل حماس المؤمنين، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيه: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حِوَارِيًّا وَحِوَارِيِّ الزُّبَيْرُ)، لما قتل طلحة وضاق الأمر على الجيش المشرك قام عثمان بن أبي طلحة فحمل راية الشرك والكفر ليكون هو دليلهم.

فما لبث أن حمل عثمان الراية حتى لقيه أسد يسمى حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فهجم عليه وقتله، فحمل الراية أخيهم الثالث وهو أبو سعد بن طلحة، إلَّا أنه لقى إخوته، وقد وصل الأمر بقتل عشرة من بيت أبي طلحة، حتى أن لواء المشركين قد سقط ولم يرفع بعدها، ومن المجاهدين البارزين في صفوف الجيش المسلم الصحابي أبو دجانة رضي الله عنه فقد قتل عددًا كبيرًا من المشركين، وتتابعت الانتصارات في تقدُّم المسلمين للقتال.

كما ظهر أيضًا الصحابي حنظلة رضي الله عنه، فحصد العديد من رؤوس المشركين، حتى اقترب من قائدهم أبو سفيان بن حرب، فغدر به أحد جنود المشركين فقتله حنظلة.

ظن الرماة أنَّ المعركة قد انتهت بعدما هروب المشركين من ساحة المعركة وانسحابهم، وتحقَّق النصر للمسلمين، فقرروا ترك مواقعهم التي حددها رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ونزلوا عن جبل أحد، ليحصلوا على ما تركه المشركون من غنائم، والجدير بالذكر أن قائد الرماة عبد الله بن جبير ذكر لهم وصية الرسول بعدم ترك مواقعهم من الجبل إلَّا بعد تعليمات الرسول.

فخالفه الرماة في ذلك واعتقدوا أنه لا داعي من تغطية ظهر الجيش المسلم الآن خاصة بعد انتهاء المعركة وفرار المشركين، ونزلوا جميعًا لتحصيل الغنائم، فلم يبقَ على جبل أحد إلَّا القائد عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقليل آخرون، وعندما حدث هذا الموقف ونزل الرماة عن الجبل، قام خالد بن الوليد باستغلال الفرصة، فالتفّ من وراء الجيش المسلم وقتل عبد الله بن جبير قائد الرماة ومن معه من الرماة الذين التزموا بأمر الرسول.

ثم عاد الرماة إلى ضرب السهام على ظهور المشركين، حتى رجعوا إلى القتال، خاصةً بعد أن جاءت عمرة بنت علقمة الحارثية ورفعت لواء المشركين لحثهم على استكمال القتال، فتمكنوا من حصار المسلمين من جميع الجهات، وعاد المشركون إلى قتال المسلمين، الأمر الذي أدي إلى استشهاد سبعين صحابي، من بينهم حمزة بن عبد المطلب الأمر الذي أحزن الرسول حتى نزل قوله تعالى (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

لما اشتد الأمر على المسلمين، وقتل الذي كان يحمل لواء المسلمين، وكان به شبه من النبي عليه الصلاة والسلام، فظن المشرك الذي قتله أنه قتل النبي عليه السلام، مما جعله يصيح بأعلى صوت بقوله: قتلت محمدًا، فكانت تلك المقولة بمثابة الفاجعة للجيش المسلم، وقد أظهر النبي شجاعة نادرة كعادته في القتال بالرغم من إصابته وكسر خوذته، حتى سال من وجهه الكريم الدماء.

قام صحابة الرسول بالدفاع عنه وحمايته خاصة بعدما اشتد القتال وشاع خبر موته، وكان من الصحابة الذين دافعوا عنه:

  • أبو بكر الصديق.
  • علي بن أبي طالب.
  • أم عمارة بنت كعب.
  • سعد بن أبي وقاص.
  • طلحة بن عبيد الله.
  • أبو دجانة.

اقرأ أيضًا: عدد المشركين والمسلمين في غزوة تبوك

رابعًا: نتائج غزوة أحد

في نظر الكثير من المؤرخين أن غزوة أحد قد انتهت بهزيمة المسلمين على يد المشركين، باستثناء المؤرخ محمود شيت خطّاب يرى أن يوم أحد قد انتهي بانتصار المسلمين مثل باقي الغزوات، وقد ناقش ذلك في كتاب الرسول القائد، كما أوضح خطاب أن جيش المسلمين قد استطلاع أن يخرج جيش المشركين من معسكرهم، كما استطاع أن يحاصر أموالهم ويعد ذلك في نظر هذا المؤرخ انتصارًا وتحقيقًا لأهداف المسلمين.

إلا أن دهاء خالد بن الوليد العسكري والتفافه خلف خطوط الجيش المسلم لمنعه من العودة إلى الخلف قد أعطى الأفضلية لجيش المشركين في التقدم الأمر الذي زاد في خسائر الجيش المسلم، لكن حتى بعد تقدم المشركين لم يغير ذلك من أهداف المسلمين، على اعتبار أن الانتصار في المعارك يتحدد بما حققه الجيش من أهداف كان يسعى لها بغض النظر عن عدد الشهداء الذين سقطوا، كما أن المسلمين لم ينهزموا معنويًا.

كما يعتقد بعض المؤرخين أن محاصرة جيش المسلمين بخمس أضعاف العدد من جيش المشركين لا يعد نصرًا من الناحية العسكرية بل على العكس، يعد صمودًا وقوة من قبل الجيش المسلم ولا يعد هزيمة معنوية، والدليل أن رسول الله جمع صفوف المسلمين في اليوم التالي وهموا لمواجهة قريش ثانية، فكيف يكون الجيش المسلم منهزم معنويًا ونفسيًا إذن؟ الخسارة الوحيدة في الجيش المسلم كانت في العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا يوم أحد.

السبب في تلك الخسائر يعود إلى أن الرماة لما رأوا النصر والغنائم التي يوشك المسلمون أن يحصلوا عليها، نزلوا من على الجبل وتركوا مواقعهم مخالفين بذلك أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان من المشركين إلا أن استغلوا الفرصة، وانقلب الأمر على جيش المسلمين بسبب تسرع الرماة، وقد ذكر الله ذلك في كتابه الحكيم، ليكون ذلك اليوم الذي لا ينسى درسًا لأمة الإسلام وعبرة للأجيال.

حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

تعلّم المسلمون من هذه الغزوة أن أجر المقاتل في سبيل الله لا تضاهيه أي غنيمة، وأن الهدف الأول والأخير من الجهاد هو ابتغاء مرضاة الله، كما أن تلك المعركة كانت بمثابة امتحان من الله للمسلمين.

كما تبين من نتائج الغزوة أن الرسل والأنبياء معرضون للخسائر لكن الله ينصرهم في النهاية، أصابت تلك المعركة المشركين بالغرور وطمعوا في أن يهجموا على المدينة المنورة للقضاء على المسلمين بقيادة طليحة الأسدي ومعه مجموعة من المقاتلين النجديين.

وعندما علم رسول الله علِم رسول الله فقام عليه أفضل الصلاة والسلام بتشكيل جيش بقيادة الصحابي أبي سلمة بن عبد الأسد، لمقابلة طليحة وجنوده، فلما رأى طليحة ومن معه من المشركين رسول الله فروا هاربين، فاستطاع جيش رسول الله اغتنام بعيرهم وعتادهم.

غزوة أحد من الغزوات التي تعلم منها المسلمون دروسًا عديدة أهمها عدم مخالفة أوامر الرسول وعدم السعي وراء أمور الدنيا على حساب طاعة الله ورسوله، وعلينا جميعًا أن نتعلم هذه الدروس القيمة من السيرة النبوية المشرفة.