دائمًا ما أصف قصتي مع سرطان الحنجرة بكونها مُعجزةً في زمنٍ قيل أن المعجزات لم تعد موجودة فيه، فخلال رحلتي كمحارب للسرطان لم أتخيل لوهلةٍ أنني سأنجو، فعلى الرغم من إيماني بالله جلَّ وعلا كان كل ما يدور في ذهني أن الله سيُخرج روحي من جسدي الذي أنهكه المرض وعصف بقوته، ولكن ها أنا ذا، أقص عليكم قصتي عبر موقع سوبر بابا.

قصتي مع سرطان الحنجرة

قبل الحديث عن تجربتي مع هذا المرض اللعين دعوني أُعرفكم بنفسي، أنا رجلٌ أبلغ من العمر أربعةً وثلاثين عامًا، والجدير بالذكر أن قصتي مع سرطان الحنجرة بدأت قبل أن أصل إلى عامي الثالث والعشرين بعدة شهور فقط، فخلال هذه الفترة التي من المفترض أن تكون أجمل فترات حياتي لم تكن إلا كابوسًا خُيِلَ لي أن لا نهاية له.

لا تغيب كافة تفاصيل اليوم الذي قصت فيه قصتي مع سرطان الحنجرة شريط بدايتها وافتتاحها لمشوارٍ طال حتى وصلتُ إلى بر الأمان، أتذكر أنني كُنت أمتازُ بصحةٍ جيدة، قوامٍ ممشوق وعضلاتٍ مفتولة بعض الشيء بسبب مواظبتي على التمرين في النادي الرياضي لمدة كانت قد وصلت آنذاك إلى خمسة أعوام على أقل تقدير.

كُنتُ أستعد في هذه الفترة إلى دخول الجيش بعدما أنهيت دراستي الجامعية، والجدير بالذكر أنني كُنتُ تلميذًا متفوقًا في الجامعة، كما كان الحال عليه خلال حياتي الدراسية ككل مُنذُ نعومةِ أظافري.

في الأشهر التي تسبق معرفتي بكوني مُصابًا بسرطان الحنجرة ظهرت علي بعض الأعراض، ولا أُخفيكم سرًا أهملت كافة هذه الأعراض لظني أنها من العدوات والحالات المرضية العارضة، ولكن الأمر لم يكن كذلك، فالأعراض التي عانيت منها طويلًا والتي تمثلت في السُعال، صعوبة البلع، آلام الأذن بالإضافة إلى الشعور بكتلة في حلقي لم تكن إلا نذائر شؤمٍ على إصابتي بالسرطان.

اقرأ أيضًا: ما هو أكبر غضاريف الحنجرة

كشف طبي قلب حياتي رأسًا على عقب

لم أُعِر كافة هذه الأعراض اهتمامًا، ولكن إصرار والدتي على خضوعي للرعاية الصحية واستشارة الطبيب المختص أخذ بالتزايد يومًا بعد يوم، وبلغ أشده عندما نقص وزني وبدأ صوتي بالتغير، وبالفعل ذهبت للطبيب المختص بأمراض الأنف والحنجرة، كل ما كنت أنتظره حينها هو وصفه لبعض مُضادات الاحتقان والمُضادات الحيوية حتى تتوقف والدتي عن القلق.

بعد سكوت الطبيب للحظاتٍ مرت عليَّ وكأنها دهرٌ بأكمله، تحول انتظاري لوصفه العقاقير الروتينية لأمنية ورجاء لم ينقطع قط، وعلى الرغم من صمتي التام إلا أن والدتي شعرت بكوني متوتر، دقات قلبي كانت تتزايد كلما صمت الطبيب الأكثر، وأكاد أُجزم أنها أصبحت مسموعة لكلٍ من والدتي والطبيب.

ما لبث أن أنهى الطبيب وصلة صمته التي طالت طويلًا بملاحظته أن الخوف بدأ يعتري ملامحي وينهش في ذهن والدتي ليعصف بمشاعر كلينا، ولكنني تمنيت لو أن الطبيب لم يتحدث قط، فلم ينطق إلا بكونه يحتاج مني إجراء بعض التحاليل الطبية، بمجرد سماعي لهذه الكلمة شعرت أن أبواب الجحيم فُتحت على مصراعيها في وجهي.

في بداية الأمر كُنت أخال أنه سيطلب صورة بالأشعة السينية لصدري، وهو الأمر المعتاد في حالات الإصابة بالسُعال، ولكن خاب ظني عندما قال لوالدتي أن لدي كُتلة في عُنقي، وأن هذه التحاليل ضرورية للاطمئنان والوصول إلى ماهية هذه الكُتلة.

فمعرفة مدى خطورة هذا الدخيل على عُنقي كان الهدف الرئيسي لهذه التحاليل، ومهما بلغ تشاؤمي حينها لم أكن لأتخيل قط أن هذه الكُتلة صغيرة الحجم ستكون حجر الأساس لقصتي مع سرطان الحنجرة…

اقرأ أيضًا: أفضل دواء موسع للشعب الهوائية وطارد للبلغم

نتيجة التحليل… موافقة للتوقع ومُخالفة للرجاء

سلسلة الرجاء التي بدأت بتمني وصف الطبيب المختص بعض العلاجات الروتينية لعلاج السُعال، مرورًا بالدعاء لكون الأشعة والتحاليل المطلوبة مُجرد أشعة للصدر لكشف مدى التهابه مثلًا، وصولًا إلى الرجاء بكون هذه الكُتلة من صور الأكياس الدهنية مثلًا، أو حتى الأورام الحميدة في أسوأ الأحوال.

بالطبع لم تكن قصتي مع سرطان الحنجرة لتكتمل في حال ما كانت نتيجة التحليل هي كون هذه الكُتلة حميدة أو مُجرد كيس دهني، فسفينة أحلامي، رجائي وكل ما تمنيته ارتطمت بجبلٍ من الخيبات لتتحطم وتتهشم فور معرفتي بنتيجة تحليل الورم والذي يُعرف باسم الخزعة.

تم تشخيص حالتي بكونها سرطان حنجرة من الدرجة الثانية، كانت هذه البداية الحقيقة لقصتي مع سرطان الحنجرة، وبالنسبة لي كانت بداية النهاية، أو ذلك ما كنت أخاله فقط، الجدير بالذكر أنه خلال الأشهر القليلة التي تلت معرفتي بخبر الإصابة ظهرت علي العديد من الأعراض الأخرى، ومن أمثلة هذه الأعراض ما يلي:

  • فقدان للوزن غير مُبرر بشكل مُستمر.
  • تزايد حِدة الألم في كل من العُنق والأذنين.
  • الشعور بالصداع الحاد.
  • صعوبة التنفس وتفاقم مشاكل البلع.
  • سُعال يُحتمل أن يحمل بعض الدماء.
  • الشعور بوجود شيء يسد مجرى التنفس عالق في الحلق.
  • تورم مؤلم في الرقبة لا يزول.

الجدير بالذكر أنه هناك عِدة أنواع لسرطان الحنجرة بشكل عام، وهذه الأنواع تُصيب الحنجرة، الفم، البلعوم بالإضافة إلى لسان المزمار وما يعلوه ويتواجد أسفله من أحبال صوتية، كما أن المريء، الغدة الدرقية والقصبة الهوائية جميعها مُعرضة للسرطانات.

يعتبر سرطان الفم والبلعوم من أكثر السرطانات الشائعة التي تُصيب الحنجرة، فأثبتت بعض الدراسات أن حوالي 2.8% من حالات الإصابة بالسرطان مُصابة بهذا المرض الخبيث، وهو النوع الذي عانيت منه في قصتي مع سرطان الحنجرة.

اقرأ أيضًا: أنواع ارتجاع المريء

فترة علاج كُللت بالنجاح بعد طول عناء

بعد أن سلمت بفكرة كوني مُصابًا بسرطان الفم والبلعوم من الدرجة الثانية كان من الضروري أن أبدأ بفترة العلاج الخاصة بي، فالخاسر الوحيد من تأخير العلاج هو أنا بلا أدنى شك، وعلى الرغم من كون هذه الفترة طويلة وصعبة للغاية إلا أنها الفصل المُحبب إلى قلبي في قصتي مع سرطان الحنجرة.

الجدير بالذكر أنه هناك العديد من العلاجات التي يُمكن استخدامها في سبيل التخلص من السرطان، وهذه العلاجات لها ترتيب مُرتبط بحدة السرطان ومدى خطورته، وتشتمل هذه العلاجات بالترتيب على كل ما يلي ذكره:

  • العلاج الإشعاعي، وهو مُناسب للحالات التي لم ينتشر فيها السرطان في العقد الليمفاوية.
  • التدخل الجراحي واستئصال السرطانات صغيرة الحجم في الحلق، وهذا ممكن في حال ما لم ينتشر السرطان.
  • استئصال الحنجرة بالكامل، وهي ومن العلاجات المُتقدمة لبعض الحالات التي تُعتبر خطيرة أو حرجة، وينتج عن ذلك انعدام القدرة الطبيعية على التكلم، ولكن هناك بعض الطرق التي يمكن للمريض أن يتعلمها للتحدث دون الحاجة إلى حنجرة، والتعليم من اختصاص أخصائي الباثولوجيا.
  • استئصال الغدد الليمفاوية التي أُصيبت بالأورام السرطانية والخلايا الخبيثة.
  • التدخل الجراحي لاستئصال جزء من الحلق والبلعوم لضمان عدم تطور السرطان، وقد يقوم الطبيب بعدها ببناء حنجرة وبلعوم لمساعدة المريض على البلع.

في تجربتي وقصتي مع سرطان الحنجرة بدأت مرحلة التخلص من هذا الورم الخبيث باستخدام العلاج الإشعاعي، وبعد فترة قاربت الشهرين من العلاج تقريبًا قمت بإجراء بعض الفحوصات، ولكن لسوء الحظ لم تكن النتيجة كما تمنيتها، فكان هناك تحسن طفيف فقط، لذا قرر الطبيب المختص إجراء عملية جراحية لاستئصال الكتل السرطانية الصغيرة في الحنجرة.

يعتبر الوصول إلى طريقة العلاج المُثلى عمل مُشترك بين المريض والطبيب، فدراسة المخاطر مُقابل ما سيعود عليك من فوائد يعد أمرًا هامًا للغاية، والجدير بالذكر أن تواجد عُنصر الصبر والإيمان لا يقل أهمية عن العلاج نفسه، ففي قصتي مع سرطان الحنجرة لم يفلح العلاج الأول، لكن ها أنا ذا سليمٌ مُعافى، فلا تيأس.