كيفية صلاة التوبة بالتفصيل تُساعد العبد على المبادرة في التوبة واللجوء إلى الله عز وجل، وذلك لأن الإنسان غير معصوم من الوقوع في الخطأ، فقد يُذنب ويخطئ، لكن العبرة بسرعة الندم والرجوع إلى الله عز وجل، فلا ملجأ ولا منجى إلا إليه، فما كيفية تلك الصلاة، وما هو وقت فعلها، فذلك ما يوضحه موقع سوبر بابا بالتفصيل.

كيفية صلاة التوبة بالتفصيل

التوبة تأتي بعد صدور ذنب معين من الشخص، ثم ندمه على ما بدر منه من معصية لله عز وجل، فيريد الرجوع إلى الله والتقرب منه، وهي عبادة أمرنا الله عز وجل بها عند المعصية لتكفير الذنوب والمعاصي.

حيث قال سبحانه وتعالى في سورة التحريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”

فيستحب للمرء صلاة ركعتين لصلاة التوبة أو صلاة الاستغفار ويقوم بأدائها بوتيرة مُعينة.

  • يتطهر المرء كما يفعل عند إقامته للصلاة المفروضة، فيتطهر بأن يتوضأ أو يغتسل.
  • يشرع التائب في الصلاة، فيصليها ركعتين وينوي التوبة والإنابة لله عز وجل، ويفعل فيها ما يفعل في صلاة النافلة، فيقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة وما تيسر له من القرآن.
  • يستحب أن يكثر فيها التائب من الدعاء والاستغفار والتوسل والتضرع لله عز وجل، علّه يقبله من التائبين.
  • صلاة التوبة يصليها العبد منفردًا، فإنها من النوافل فلا تصلى في جماعة.
  • عند الانتهاء من الصلاة يستحب أن يتريث المرء قليلًا فلا يبادر بالوقوف بل يستمر في الدعاء والإلحاح، ويمكنه الدعاء بسيد الاستغفار كما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “سيِّدُ الاستغفارِ أنْ يقولَ العبدُ: اللَّهمَّ أنتَ ربِّي وأنا عبدُكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ خلَقْتَني وأنا عبدُكَ أصبَحْتُ على عهدِكَ ووَعْدِكَ ما استطَعْتُ أعوذُ بكَ مِن شرِّ ما صنَعْتُ وأبوءُ لكَ بنعمتِكَ علَيَّ وأبوءُ لكَ بذُنوبي فاغفِرْ لي إنَّه لا يغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ.”
  • ليس لصلاة التوبة وقت محدد تُصلى فيه، فإنها شرعت من أجل توبة العبد وإنابته، فمتى حصل له الندم وأراد الرجوع لله عز وجل، فعليه المبادرة في التوبة، لذا فله أن يصليها في أي وقت شاء، ما دام هذا الوقت ليس من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.
  • ليس لصلاة التوبة ذنب معين، فإنها تُندب في التوبة من كل ذنب، سواء فعل العبد كبائر أم صغائر.

على التائب الإكثار من الأعمال الصالحة كالصدقة، فإنها من أعظم العبادات التي تكفر الذنوب والخطايا وترفع الدرجات، فقد قال تعالي في سورة التوبة: ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)” فهذا دليل على أثر الصدقة في محو الذنوب والخطايا.

كيفية صلاة التوبة بالتفصيل قد أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف حيث قال: ما مِن عبدٍ يذنبُ ذنبًا، فيُحسنُ الطُّهورَ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكْعتينِ، ثمَّ يستغفِرُ اللَّهَ، إلَّا غفرَ اللَّهُ لَهُ، ثمَّ قرأَ هذِهِ الآيةَ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ إلى آخرِ الآيةِ

اقرأ أيضًا: كيفية التوبة من الزنا

شروط التوبة

إن الله عز وجل قد شرع لنا التوبة، وحثنا عليها عند اقتراف الذنوب والمعاصي، كما أنه سبحانه رغّب فيها، ووعد عباده التائبين بالمغفرة مهما كان العبد قد أذنب.

حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الزمر: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54)

فإن رحمات الله واسعة، ومغفرة لعبادة التائبين قائمة، مهما عظمت تلك الذنوب، فإنه يغفرها للعبد ما دام قد تاب وأناب وندم على فعله، ولكي يحقق العبد التوبة ويقبلها الله عز وجل، لابد على العبد أن يحقق عدة شروط.

  • الإخلاص لله عز وجل في التوبة، بأن تكون لوجه الله تعالى لا يريد بها سوى مرضاته ورضاه عنه، فيكون هدفه وغايته الكبرى هو رضي الله عز وجل والتقرب منه، فقد قال تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)
  • الكف عن الذنب، وذلك بأن يترك الذنب ويبعد نفسه عن أي شيء قد يسبب وقوعه في هذا الذنب مرة أخرى، فيقطع مسببات تلك الذنب ويغلق بابه للأبد.
  • الندم على فعله تلك المعصية، بأن يستشعر عظمة من عصى، ويستحضر اليوم الأخر ووقوفه بين يدي ربه سبحانه وتعالى، فيندم على فعله هذا الذنب، ويندم على تقصيره في حق ربه.
  • العزم على عدم الرجوع لهذا الذنب مرة أخرى، فيجب أن يتبع الندم العزم على ترك الذنب، ويعقد النية على الإكثار من فعل الخير والطاعات، والبعد الكامل عن كل الذنوب والمنكرات.
  • رد الحق لصاحبه، وذلك إن هذا الذنب الذي اقترفه يتعلق بحق من حقوق العباد، حيث أن التوبة تسقط حق الله ولكنها لا تسقط حقوق العباد، فإن لم يفعل ذلك فإن التوبة تُرد ولا تقبل منه.

الدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه“.

فهذا الحديث يبين لنا أن حقوق العباد لا تنفعها توبة، وإنما عليه أن يتحلل منه بردّ الحق لصاحبه، فإن لم يفعل فإن الله يوم القيامة يقتص للمظلوم من الظالم، فيأخذ من حسنات الظالم ويُعطيها للمظلوم.

حتى إن لم يكن له حسنات يأخذها منه فإنه يأخذ من سيئات المظلوم ويضعها في ميزان الظالم، لذا من المهم جدًا التحلل من الحقوق قبل الموت، وإرجاع الحق لأهله، فإن تعثر عليه ذلك، فعليه الإكثار من فعل الخير.

موانع التوبة

إن للتوبة شروط يجب أن يستوفيها التائب حتى تقبل منه توبته وتصح، وبالتالي فهناك موانع تمنع من قبول توبة العبد.

  • طلوع الشمس من مغربها، والتي هي علامة الساعة الكبرى، فعند إذن تطوى الصحف، وترفع الأقلام، فلا تنفع توبة التائب، أما طوال حياة العبد فتجوز التوبة في أي وقت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تابَ قبلَ أنْ تطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها، تابَ اللهُ عليْهِ.”
  • بلوغ الروح الحلقوم، فإذا جاء موت الإنسان وبدأ يحتضر، فحينها لا تنفع منه توبة ولا ندم، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة النساء: “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)

فعلى المسلم أن يعرف عظمة خالقه، فيخشاه ويخافه، ويعمل على مرضاته قبل أن تشرق الشمس من مغربها فلا ينفع ندم ولا عمل، فإن فلاح العبد في رجوعه إلى ربه ولجوئه إليه، والعمل على طاعته وعبادته.

اقرأ أيضًا: أدعية التوبة النصوحة من الكبائر

فضل التوبة

إن التوب واجبة على كل مسلم، قد ارتكب ذنبًا أو فعل معصية، ذلك أن المرء عندما يلجأ لربه، ويتضرع إليه فإنه يوفقه ويهديه لما يحب ويرضى، وهناك الكثير من الفضائل التي تحققها للتوبة.

  • محو الذنوب والخطايا، والحصول على محبة الله عز وجل.
  • تساعد على اكتمال إيمان العبد وزيادته، وتعتبر علامة على حُسن إسلام المرء.
  • رغد المرء في الدنيا، وزيادة رزقه في المال والولد، وذلك لأن التوبة تخلص العبد من ذنوبه التي هي سبب في منع الرزق عنه، وقد أخبرنا الله عز وجل عن هذا في القرآن الكريم فقال: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11)
  • حث عليها الأولين والأخرين، وهذا إنما يدل على عظيم شأنها، ومكانتها في الإسلام، كما أنها علامة على رحمة الله الواسعة بعباده.
  • التوبة سبب في فلاح العبد، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة النور: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
  • مراجعة العبد لنفسه، فالتوبة تجعل المرء يراجع نفسه كل فترة، وهذا يحقق له زيادة إيمانه، وزيادة خشيته من ربه عز وجل، فعندما يشعر أنه قد قصر في حقه سبحانه يبادر بالتوبة وهو يعلم أن له رب رحيم يسمع دعائه ومناجاته، وأنه عبد فقير لجأ إلى رحمة ربه وغفرانه.
  • الاستعداد لليوم الآخر وملاقاة الله عز وجل، فإن العبد حينما يذنب ذنبًا فيبادر في التوبة، فإن هذا أدعى بأن يكثر من الطاعات ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، ويكثر من الاستغفار.

اقرأ أيضًا: أحاديث قدسية عن التوبة

الثبات على التوبة

قد يندم العبد على فعله ويتوب إلى الله إلا أنه قد يتراجع عن توبته وينتكس فيعود إلى معصية الله مرة أخرى، لذا فإنه من الضروري معرفة الأمور التي تعينه على المحافظة على توبته.

  • الإكثار من فعل الأعمال الصالحة، فإن الله عز وجل يمحو بها الخطايا ويرفع درجات عباده.
  • ملازمة صُحبة الخير، لتعينه على الطاعات، وتزيد من همّته إذا أحبطت.
  • شغل النفس بعمل الطاعات، فإن هذا يقلل تفكيره في الذنب وبالتالي يحافظ على توبته.
  • استشعار المسلم مراقبة الله عز وجل في أي عمل يقوم به، ومحاسبته لنفسه كل فترة.
  • الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والمداومة على الأذكار.
  • الابتعاد عن كل مكان قد يذكره بتلك المعصية.
  • أن يراجع علاقته بالقرآن فيحسنها، فإنه خير جليس وخير معين للعبد على فعل كل وجوه البر والخير.

الحمد لله أن لنا رب كريم، مهما أذنب العبد وغفل، فإنه إذا رفع يده لربه لا يردهما خائبتين، يغفر لنا ذنوبنا ثم نعصيه ثم نتوب فيغفرها لنا، فالحمد لله أن ربنا هو الله.