لا يعرف الكثير معلومات عن الإله خونسو الذي كان يعد من المعبودات في الحضارة القديمة، إلا أن أهمية التعرف إليه تكمن فيما تمثله معرفة التاريخ وتتبعه والإلمام بالحضارة من أهمية بالغة، فالإنسان بدون تاريخ يكون إنسانًا من الدرجة الثانية لا هوية له، وسنتفرد بعرض كافة التفاصيل الخاصة بالمعبود خونسو من خلال موقع سوبر بابا.

معلومات عن الإله خونسو

الحضارة الفرعونية يعرف عنها أنها من أوائل الحضارات في التاريخ التي آمنت بوجود إله، حتى وإن كانت آلهتها متعددة وكثيرة جدًا إلا أنه يكفي أنهم كانوا مؤمنين بأن هذه الدنيا لم تخلق هباءً ولم تتواجد من العدم بل توجد قوة أو مجموعة من القوى الجبارة هي التي صنعتها.

يعد الإله خونسو واحدًا من الآلهة التي كان يعبدها المصري القديم في الحضارة الفرعونية، ويمكن تهجي اسمه بأكثر من طريقة مثل Khonsu أو Khons أوChons، وكان خونسو عند الفراعنة هو إله القمر عند المصري القديم، وكانوا يصورونه على أنه شاب جميل ذو قلب رحيم يدمر أي روح شريرة ويشفي الناس.

أشارت نصوص الأهرام التي يعود تاريخها إلى عام ألفين وثلاثمائة وخمسين قبل الميلاد، إلى إله من المعبودات المصرية القديمة له روابط فلكية ويطلق عليه اسم Khenzu ويرى الباحثون أنه من المحتمل أن يكون هذا الإله المشار إليه في النصوص هو نفسه الإله خونسو.

كان المصري القديم يرى أن الإله خونسو هو ابن الإله الأكبر آمون والإلهة موت، لذا عمدوا في نهاية عصر الدولة الحديثة وبالتحديد في عام ألف ومائة قبل الميلاد إلى بناء معبد رئيسي للإله خونسو ويقع هذا المعبد حتى الآن في مجمع الكرنك بمدينة طيبة أو الأقصر حاليًا.

في هذا المعبد صُوِّرَ الإله خونسو في هيئة شاب له خصلة شعر جانبية واحدة، ويضع على رأسه الصل الفرعوني المعروف والذي يأخذ شكل ثعبان الكوبرا المنتصب إلى جوار قرص القمر.

اقرأ أيضًا: معبد الإله خونسو بالكرنك

سمات الإله خونسو

في ظل عرض معلومات عن الإله خونسو يجدر بنا الإشارة إلى أن كل واحد من معبودات المصري القديم سمات خاصة به، أي أن لكل واحد منهم وظيفة أو تخصصًا معينًا يدير به جزءًا محددًا من الطبيعة، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على الإله خونسو إله القمر.

كان المصري القديم ينظر إلى خونسو على أنه إلهًا شافيًا للناس ويزيد من خصوبتهم ونمائهم هم والماشية التي يمتلكونها، وتوجد أسطورة محفورة على جدران المعبد البطلمي الخاص بالإله خونسو في الكرنك، نصت على أن خونسو كان له دورًا مؤثرًا وبارزًا في خلق هذا الكون.

كان يُنظر للإله خونسو على أنه يشفي الناس جميعًا، ولقد ورد ذكره في قصة أميرة بخيتن وقيل فيها أنه كان السبب في شفاء الإمبراطور بطليموس الرابع شخصيًا، والذي حاز لقب محبوب خونسو الذي يتولى حماية الملك ويبعد عنه الأرواح الشريرة.

كما كان لهذا الإله جانبًا آخر أكثر ظلامة وبالتحديد خلال فترة التاريخ المصري المبكر القديم، حيث كان يعرف بأنه خطيرًا وعنيفًا ولا يرحم أحد، ولقد ورد ذكره في ترنيمة أكل لحوم البشر التي تمثل أحد أجزاء نصوص الأهرام ووصفه بأنه دائم العطش للدم.

كما وصفته بأنه يعين الملك المتوفى على أكل الآلهة الأخرى والقضاء عليهم، وجاء ذكره مرة أخرى بمثل هذه الصفات في نصوص التابوت ووصف فيها بأنه خونسو الذي يعيش على القلوب، وفيما بعد برز التناقض لأن خونسو كان يعبد في عصر الدولة الحديثة على أنه الإله الطيب الحنون ابن الآلهة آمون وموت.

الإله خونسو في ثالوث طيبة

استكمالًا للتعرف إلى معلومات عن الإله خونسو تنبغي الإشارة إلى أن المصري القديم كان يتمتع بنظام وتنسيق غاية في الدقة بكل شيء تقريبًا، ولا سيما في معبوداته وعباداته وإذا أدرنا عجلة التاريخ إلى الوراء لوجدنا أن الكهنة كانوا يقسمون الآلهة التي يعبدونها إلى مجموعات عائلية تتألف من ثلاثة أفراد فقط.

هذه التقسيمة كان يطلق عليها الثالوث المقدس وفي مدينة طيبة أدى تقديم الإله آمون إلى ظهور ثالوث خاص به ليكون هو ثالوث هذه المدينة، وكان يتمثل في الإله آمون وزوجته الإلهة مون وابنهم الإله خونسو ولقد استمرت عبادة هذا الثالوث المقدس.

كان آمون هو إله الشمس وقوة السيطرة بينما كانت الإلهة موت بمثابة أشعة الشمس والعين الرائية لكل شيء أما خونسو فكان هو القمر، والذي كان يسمى بين أهل طيبة خونسو الرحيم مدمر الأرواح الشريرة وإله الشفاء.

هذا الثالوث اشتقت فكرته من الآلهة الثلاثة القديمة التي كانت تعبد في صعيد مصر وهم الإلهة بتاح والإله سخمت والإله خونس، ولقد كان هذا الثالوث يعبد بأسمائه الأصلية في مصر العليا إلى مصر السفلى، إلا أن صفاتهم تلك قد نقلت فيما بعد لكي تتمثل في ثالوث طيبة المقدس الذي يتمثل في آمون وموت وخونسو.

أكثر ما كان يميز هذا الثالوث هو أنه نال شعبية ورواجًا واسعًا في طيبة وهذا أدى إلى تطور المدينة وزيادة ثرواتها وارتفاع مكانتها أكثر، حيث نجد أنه في هذا التوقيت وبالتحديد خلال عام ألفين وخمسة وخمسين قبل الميلاد قد تم بناء معبد الكرنك خصيصًا لعبادة هذا الثالوث المقدس.

استمر معبد الكرنك في الزيادة والتوسع حجمًا وعظمة لدى أهل طيبة على مدار أفي سنة كاملة ولقد أضيفت إليه العديد من الإضافات والتفاصيل الأخرى، كما وأصبح كهنة آمون المسؤولين عن تنظيم وإدارة طقوس العبادة في معبد خونسو أقوياء لدرجة جعلتهم يهددون سلطان الفرعون نفسه، وبالفعل تمكنوا فيما بعد من الإطاحة به والسيطرة على زمام أمور الحكم في طيبة وصعيد مصر بالكامل.

التتبع التاريخي لثالوث طيبة

تناولنا معلومات عن الإله خونسو تدفعنا إلى التعمق أكثر في أدق التفاصيل المسجلة عنه تاريخيًا، وبما أنه جزء لا يتجزأ عن ثالوث طيبة المقدس فيجب التعرف أكثر إلى آلهة هذا الثالوث كل منهم على حدة، وتتضح لنا تفاصيلهم أكثر فيما يلي:

1- الإله آمون

الإله آمون كان هو الإله الأول والأكبر لمدينة طيبة أو مصر العليا في الحضارة الفرعونية القديمة، وكانت له عدة معابد كبرى يعبد فيها إلا أن أكبرها وأهمها هو معبد الكرنك، وخلال الفترة الواقعة ما بين عامي ألف وخمسمائة وخمسين وألف ومائة كان آمون هو الإله الأكبر والأهم في مصر بالكامل.

اسم آمون يعني المخفي وقبل عصر الدولة الوسطى حوالي عام ألفين وخمسة وخمسين قبل الميلاد وعام ألف وستمائة وخمسين قبل الميلاد كان الإله آمون لا يزال غامضًا حوله العديد من علامات الاستفهام، ولكي يتم الترويج له ولشهرته الناشئة حديثًا تم دمج الاحتفال به مع احتفالات رع إله الشمس في مدينة هليوبوليس.

2- الإلهة موت

الإلهة موت كانت رمزًا للأمومة وكان يرمز لها بامرأة ذات رداء ضيق وشعر طويل مستعار ترتدي تاج النسر، والذي كان يعد هو التاج الملكي الازدواجي أي الذي يحمل اللون الأحمر الذي يرمز إلى مصر العليا واللون الأبيض الذي يرمز إلى مصر السفلى.

كما كانت الإلهة موت في بعض الأحيان تصور في هيئة امرأة بجسم بشري ورأس لبؤة تلبس قرص الشمس الكبير المحاط بالصل الفرعوني مثل التاج الخاص بها.

3- الإله خونسو

في الحقيقة كان للإله خونسو العديد من الهيئات إلا أنه على الأرجح يكون رجلًا يأخذ شكل المومياء، وله رأس محلوق وخصلة شعر واحدة فقط على جانب رأسه وهذا يرمز إلى الشباب، كما وكان يحمل في يده عصا الراعي والمذبة الخاصة به، وصور أيضًا على هيئة رجل بجسم بشري وله رأس صقر وكان في كل صوره وهيئاته يرتدي قرص القمر والهلال على رأسه.

في بعض الأحيان الأخرى كان يظهر في هيئة رجل بجسم بشري ورأس صقر يرتدي قرص الشمس وزوج من الصل الفرعوني وريشتان طويلتان من ريش النعام، ولقد تم استبدال الإله مونتو بالإله خونسو باعتباره ابنًا للإلهة موت ولقد أخذ منه الصفات الوقائية.

ببزوغ فجر عصر الدولة الحديثة بين عامي ألف وخمسمائة وسبعين إلى عام ألف وتسعة وستين قبل الميلاد، كان الإله خونسو يتمتع بشعبية عظيمة ويعبد مثله مثل الإله آمون أعظم آلهة مصر، وكان اسمه دومًا يرتبط بالحب والحنو والخير والشفاء العاجل من الأمراض.

الإله خونسو في الاحتفالات

هناك عيد يطلق عليه اسم عيد الوادي الجميل وهو قريب الشبه جدًا إلى يوم الموتى الذي يقام في المكسيك، وفيه يتم تكريم أرواح الموتى بينما يسمح للأشخاص الأحياء فيه بالاحتفال بهم وفي نفس الوقت يتم تكريم الإله آمون.

في هذا الاحتفال أيضًا أخذ تماثيل الإله خونسو والإله آمون بهدف زيارة المعابد الجنائزية والمدن الجنائزية، ثم يقوم الزوار بزيارة أمواتهم في الأماكن التي دفنوا بها ويقدمون قرابين تتألف من طعام وشراب ويقدمون باقات من الورود.

اقرأ أيضًا: أمت آكلة الموتى

معبد خونسو في الأقصر

إن معبد الإله خونسو يقع في الناحية الجنوبية الغربية من مجمع معبد الكرنك الواقع على الجهة الشرقية لمدينة الأقصر، وبالتحديد في المذبح الرئيسي للإله آمون رع والمنطقة الجنوبية التي خصصت للإلهة موت، ويعد هذا المعبد مثالًا مميزًا للمعابد الصغيرة إلا أنه مكتمل الجوانب من حيث البناء والتجهيز.

لقد بدأ بناء معبد خونسو خلال عهد الفرعون رمسيس الثالث إلا أن الانتهاء منه كان خلال حكم أحد خلفائه فيما بعد، ولقد أطلق على المعبد اسم معبد الإله خونسو ابن الإله الأعظم آمون والإلهة الكبيرة موت.

يصل طول معبد الإله خونسو إلى حوالي مئتين وثلاثين قدمًا أي ما يعادل سبعين مترًا، في ثمانية وثمانين قدمًا أي ما يعادل سبع وعشرون مترًا تقريبًا، بينما يصل ارتفاع الأعمدة الموجودة في قاعة المعبد إلى ثلاثة وعشرين قدمًا أي ما يعادل سبعة أمتار.

يتكون المعبد من ساحة كبيرة معاصرة محددة برواق يتألف من سبع وعشرين عامودًا، ويؤدي هذا الرواق إلى قاعة أخرى من الأعمدة الموصولة بحرم توجد فيه سفينة باركيه الشراعية.

لقد عمد علماء الآثار والمصريات إلى إخفاء مجموعة من المنحوتات المهمة والبارزة في معبد الكرنك وبالتحديد في داخل معبد الإله خونسو، وذلك لأنها أمضت قرونًا طويلة كامنة أسفل التراب والدخان والرواسب.

لم يرد في كتب التاريخ معلومات عن الإله خونسو أكثر أهمية مما سلف وعرضناها، ولكن المتفق عليه من قبل المؤرخين وعلماء الآثار والمصريات أن هذا الإله كانت له مكانة وشأن عظيم بين المصريين القدماء.